وجبلها ، ليصحّ الخراج عليها ، فمسحت . غير أنّ قباذ هلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة . فلمّا ملك أنوشروان أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون وغير ذلك ، والجماجم . ثم أمر الكتّاب فأخرجوا جمل ذلك غير مفصّلة ، وأذن للناس إذنا عامّا ، وأمر كاتب خراجه أن يقرأ [ 184 ] عليهم الجمل المستخرجة من أصناف الغلَّات وعدد النخل والزيتون والجماجم . فقرأ ذلك عليهم . ثم قال لهم كسرى : - « إنّا رأينا أن نضع على ما أحصى من جربان هذه المساحة ومن النخل والزيتون والجماجم وضائع ، ونأمر بإنجامها [1] في السنة في ثلاثة أنجم . ونجمع في بيوت أموالنا من الأموال ما لو أتانا عن ثغر من الثغور ، أو طرف من الأطراف ، فتق أو شيء نكرهه واحتجنا إلى تداركه أو حسمه ببذلنا فيه مالا ، كانت الأموال عندنا معدّة موجودة ، ولم نرد استيناف اجتبائها على تلك الحال . فما ترون في ما رأينا من ذلك وأجمعنا عليه ؟ » فلم يشر عليه أحد منهم بمشورة ولم ينبس بكلمة . فكرر كسرى هذا القول عليهم ثلاث مرات . فقام رجل من عرضهم وقال لكسرى : - « أتضع أيّها الملك - عمّرك الله خالدا - من هذا الخراج على الفاني من كرم يموت ، وزرع يهيج [2] ، ونهر يغيض ، وعين أو قناة ينقطع ماؤها ؟ » فقال له كسرى : « يا ذا الكفلة المشؤوم ! من أىّ طبقات الناس أنت ؟ » قال : « أنا رجل من الكتّاب . » [ 185 ] فقال كسرى : « اضربوه بالدوىّ [3] حتى يموت . » فضربوه بها الكتّاب خاصّة تبرّيا منه إلى كسرى من رأيه وما جاء منه حتّى
[1] . الإنجام : تعيين مواقيت تأدية الدّين . والنجم : الوقت المضروب ، أو القسط من الدّين ( مو ) . [2] . يهيج : ييبس ويصفر . [3] . الدوىّ جمع الدواة : المحبرة .