معه : أنّ رجلا من أصحاب أخشنواز ، لما علم أنّ ملكه قد بعل [1] ، وأنه قد أشرف على الهلاك هو وأهل بلاده ، تنصّح إليه وقال : - « إنّى رجل كبير السنّ قريب الأجل ، وقد فديت الملك وأهل مملكته بنفسي [2] فاقطع يدىّ ورجلىّ وأظهر في جسمي وجنبي آثار السياط والعقوبات ، وألقنى في طريق فيروز ، وأحسن إلى ولدي وعيالي بعدي ، فإنّى أكفيك أمر فيروز . » ففعل ذلك أخشنواز بذلك الرجل ، وألقاه في طريق فيروز . فلمّا مرّ به أنكر حاله ورأى شيئا فظيعا . فسأله عن أمره ، فأخبره : أنّ أخشنواز فعل به ذلك ، لأنّه قال له : « لا قوام لك بالملك فيروز وجنوده » ، وأشار عليه بالانقياد [ 162 ] له والعبودة . فرقّ له فيروز ، ورحمه ، وأمر بحمله معه ، فأعلمه على وجه النصح ، أو في ما زعم ، أنه يدلَّه على طريق قريب مختصر لم يدخل أحد منه قطَّ إلى أخشنواز على طريق المفازة ، وسأله [3] أن يشتفى له منه . فاغترّ فيروز بذلك منه وأخذ الأقطع [4] بالقوم في الطريق الذي ذكره له ، فلم يزل يقطع بهم مفازة [5] بعد مفازة . فلما شكوا عطشا أعلمهم أنّهم قد قربوا من الماء ومن قطع المفازة ، حتى بلغ بهم موضعا علم أنهم لا يقدرون فيه على تقدّم ولا تأخر ، بيّن لهم أمره . فقال أصحاب فيروز لفيروز : - « قد كنّا حذّرناك ، أيّها الملك ، فلم تحذر ، فأمّا الآن فلا بدّ من المضىّ قدما ، فإنّه لا سبيل إلى الرجوع ، فلعلَّك توافى القوم على الحالات كلَّها . » فمضوا لوجوههم وقتل العطش أكثرهم ، وصار فيروز بمن نجا معه إلى
[1] . بعل بأمره : دهش وتحيّر . [2] . مط : بنفسه . [3] . وسأله . . . ومن قطع المفازة : سقطت من مط . [4] . الأقطع : المقطوع اليد أو الرجل . [5] . المفازة : الصحراء ، المهلكة .