وردهما ، جمع الناس وجلس بهرام على منبر من ذهب مكلَّل بالجوهر ، وجلس المنذر عن يمينه ، وتكلَّم عظماء الفرس ، وفرشوا [1] للمنذر بكلامهم فظاظة يزدجرد كانت [2] وسوء سيرته [3] ، وأنّه أخرب الأرض وأكثر القتل ظلما حتى قلّ الناس . وذكروا أمورا فظيعة ، وذكروا أنّهم إنّما تعاقدوا على صرف الملك عن ولد يزدجرد لذلك . وسألوا المنذر ألَّا يجبرهم في أمر الملك على ما يكرهونه . فقال المنذر لبهرام : - « أنت أولى بإجابة القوم . » فقال بهرام : - « إني لست أكذّبكم في شيء مما نسبتم إلى يزدجرد لما استقرّ عندي من ذلك . ولقد كنت منكرا سوء هديه متنكّبا طريقته ، ولم أزل أسأل الله أن يفضى بالملك إلىّ فأصلح كلّ ما أفسد ، وأرأب ما صدع ، وسأعيد الأمور بمشيئة الله إلى أتمّ ما كانت عليه في وقت من الأوقات انتظاما ، وأعمر البلاد ، وأرفّه الرعيّة ، [ 150 ] وأوسع لهم ، وأوطَّئ جانبي [4] ، وأدرّ أرزاق الجنود وأهل الطاعة ، وأسدّ الثغور ، وأنفى أهل الفساد . فإن أتت لملكى سنة ولم أف لكم بهذه الأمور التي عددت عليكم ، تبرّأت من الملك طائعا ، وأشهد الله بذلك وملائكته وموبذان موبذ . » فسمع أكثر الناس ورضوا ، وتكلَّمت طائفة كان رأيها مع كسرى . فقال بهرام : - « فإنّى على ما ضمنته لكم ، واستيجابى [5] للملك ، وأنّه حقّ لي . قد رضيت
[1] . فرشوا : بسطوا : شرحوا . [2] . كذا في مط والطبري . [3] . ابن الأثير : فذكروا فظاظة يزدجرد أبى بهرام وسوء سيرته ( 1 : 403 ) . [4] . مط : بدون « جانبي » . وطأ جانبه : كان سهل الأخلاق ، كريما ، مضيافا . [5] . كذا في مط . وما في الأصل غير واضح .