- « وفي الرعيّة صنف دعوا إلى أنفسهم الجاه ، بالإباء والردّ له ، ووجدوا ذلك عند المغفّلين نافقا [1] ، وربّما قرّب الملك الرجل من أولئك لغير نبل في رأى ، ولا إجزاء [2] في العمل ، ولكن الإباء والردّ أغرياه به [3] . - « وفي الرعيّة صنف أظهروا التواضع ، واستشعروا الكبر . فالرجل منهم يعظ الملوك زاريا عليهم بالموعظة ، يجد ذلك أسهل طريقي طعنه عليهم [ 121 ] ويسمّى هو ذلك - وكثير ممن معه - تحرّيا [4] للدين . فإن أراد الملك هو انهم لم يعرف لهم ذنبا يهانون عليه [5] ، وإن أراد إكرامهم فهي منزلة حبوا بها أنفسهم على رغم الملوك ، وإن أراد إسكاتهم كان السماع في ذلك أنّه استثقل ما عندهم من حفظ الدين ، وإن أمروا بالكلام قالوا [ ما يفسد ولا يصلح ] [6] . فأولئك أعداء الدول وآفات الملوك . فالرأي للملوك تقريبهم من الدنيا ، فإنّهم إليها أجروا [7] ، وفيها [8] عملوا ، ولها سعوا ، وإيّاها أرادوا . فإذا تلوّثوا [9] فيها بدت فضائحهم ، وإلَّا فإنّ فيما يحدثون ما يجعل للملوك سلَّما إلى سفك دمائهم . وكان بعض الملوك يقول : القتل أقلّ للقتل . - « وفي الرعيّة صنف أتوا الملوك من قبل النصائح لهم ، والتمسوا صلاح منازلهم بإفساد منازل الناس . فأولئك أعداء الناس وأعداء
[1] . مط : نافعا . نفقت السوق : قامت وراجت تجارتها . [2] . الإجزاء : الكفاية والإغناء . [3] . به : الأصل مطموس ، والمثبت من غ . [4] . غ : محرزا . [5] . وفي غ : به . [6] . الضبط من غ ، وفي الأصل : إنما نفسد ولا نصلح . وفي رسائل البلغاء : وإن أطلق لسانه ، قال بوعظه بين الملأ ما أفسد حال الدولة . [7] . أجرى إلى الشيء : قصده . [8] . غ : لها . [9] . مط : تكونوا .