قال الملك : « سل حاجتك . » قال : « إنّى أرى الرأي الصحيح ، وأخاطر فيه بنفسي ، فاجعل لي الملك من بعدك . » قال : « نعم » ، فوثّق له به . فقال الرومي : « إنّ الفرس قد طمعت في ملكنا ، فلم يبق منهم نجد [1] ولا ذو رأى إلَّا وجّهوه في وجوهنا ، وقد ضعفنا عنهم ، وقد حملوا ذراريّهم إلى الشام والجزيرة . فالرأي أن تأذن لي فأنتخب من عسكرك خمسة آلاف رجل ، ثم أحملهم في البحر ، وأصير من خلفهم ، فأوكل بمضائق الطرق ، وصعاب العقاب ، رجالا من أصحابي من أهل البأس والنجدة ، فإنّ خبري إذا بلغهم ، فتّ في عضدهم ونخبت [2] قلوبهم ، ورجعوا إلى عيالاتهم وأموالهم متقطَّعين [3] ، فلا [ 80 ] يمرّ بالمواضع التي وكّلت بها أحد من الفرس إلَّا قتل ، فلا يسلم إلَّا القليل الذين إذا صاروا إلى الشام أتيت عليهم [4] وتشرّدهم أنت من خلفهم . » فأجابه الملك إلى رأيه ، وأنفذه إلى الشام . فلما بلغ الفرس أنّ الروم قد خلفتهم في أموالهم ، وأهاليهم ، خرج أكثرهم على وجوههم متقطَّعين لا يلوون على شيء ، ومرّوا بمضائق الطرق ، فقتل أكثرهم ، وخرج ملك الروم إلى من بقي منهم ، فهزمهم ، فلم يسلم منهم إلَّا القليل . فتحوّل الملك بذلك السبب من أهل بيت المملكة بالروم ، إلى قوم ليسوا من أهل بيتها ، بل هم من أهل إرميناقس [5] ، فبقى فيهم إلى هذه الغاية .
[1] . النجد : الشجاع . [2] . نخب الحرب فلانا : جبّنته ، أضعفته . [3] . تقطَّع أمرهم بينهم : تفرّقوا به . تقطَّعت بهم الأسباب : عجزوا ، وانقطعت سبلهم . [4] . أتيت عليهم : سقطت من مط . [5] . مط : ارمينافس . وارميناق ناحية من نواحي الروم القديمة ( لد ) .