الاستيصال والهلاك ، إلى أن [ تقضّى شهر ذي ] [1] الحجة . فلما دخل المحرّم توادع علىّ ومعاوية إلى انقضائه طمعا في الصلح ، وتردّدت الرسل ، وطال الكلام بينهما ، فما استقام بينهما الصلح . وانقضى المحرّم فأمر علىّ مرثد بن الحارث الجشميّ ، فنادى أهل الشام عند غروب الشمس : - « ألا ، إنّ أمير المؤمنين يقول لكم : إنّى استدمتكم [2] لتراجعوا الحقّ وتنيبوا إليه ، واحتججت عليكم بكتاب الله ، ودعوتكم إليه ، فلم تناهوا عن طغيان ، ولم تجيبوا إلى حقّ ، وإني قد نبذت [3] إليكم على سواء ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين . » ففزع [4] أهل الشام إلى أمرائهم ، وخرج معاوية وعمرو في الناس يكتّبان الكتائب ، ويعبّئان الناس ، وأوقدوا النيران ، وبات علىّ ليلته كلَّها يعبّئ الناس ، ويكتّب الكتائب ، ويدور في الناس ، ويحرّضهم . من وصايا علىّ لأصحابه يوم صفّين وكان في ما يوصّيهم : - « إذا قاتلتموهم وهزمتموهم ، فلا تقتلوا [ 578 ] مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا إلَّا بإذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلَّا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنهنّ ضعيفات القوى » . كان هذا كلامه في يوم الجمل ، وصفّين ، ويوم النهروان ، وكان يحرّض فيقول : - « عباد الله ، غضّوا الأبصار ، واخفضوا الأصوات ، وأقلَّوا الكلام ، ووطَّنوا
[1] . مكان « تقضّى شهر ذي » بياض في الأصل وما أثبتناه عن مط . [2] . مط : أستبدّ منكم ! [3] . مط : نذرت . وفي الطبري أيضا : نبذت . [4] . فزع إليه . لجأ إليه واستغاثه .