زيد بن عدىّ يخلف أباه عند كسرى وندم النعمان على قتل عدىّ ندامة شديدة ، واجترأ أعداء عدىّ على النعمان ، وهابهم النعمان هيبة شديدة ، فخرج النعمان في بعض صيده ذات يوم ، فلقى ابنا لعدىّ يقال له : زيد . فلمّا رآه عرف شبهه ، فقال : - « من أنت ؟ » فقال : « أنا زيد بن عدىّ بن زيد . » فكلَّمه ، فإذا [ 246 ] غلام ظريف ، ففرح به فرحا شديدا ، وقرّبه ، واعتذر إليه من أمر أبيه ، ثمّ جهّزه وكتب إلى كسرى : « إنّ عديّا كان ممّن أعين به الملك في نصحه ولبّه ، فأصابه ما لا بدّ منه وانقضت مدّته وانقطع أجله ، ولم يصب به أحد أشدّ من مصيبتي ، وأمّا الملك فلم يكن ليفقد رجلا من عبيده إلَّا جعل الله له منه خلفا لما عظم الله من ملكه وشأنه ، وقد أدرك له ابن ليس دونه وقد سرّحته إلى الملك . فإن رأى أن يجعله مكان أبيه ويصرف عمّه إلى عمل آخر فعل . » فكان هو الذي يلي ما يكتب إلى أرض العرب وخاصّة الملك ، وكانت له من العرب وظيفة في كلّ سنة من الأفراس المهارة [1] ، ومن الكمأة الرطبة واليابسة ، والأقط [2] ، والأدم ، وسائر تجارات العرب . وكذلك كان عدىّ بن زيد له هذه الرسوم . فلمّا وقع عند الملك هذا الموقع سأل عن النعمان ، فأحسن الثناء عليه ، فمكث سنوات بمنزلة أبيه ، وأعجب به كسرى وكان يكثر الدخول إليه .
[1] . المهارة : جمع المهر : ولد الفرس . [2] . الأقط : الجبن .