فلم يحفل فيروز لقوله ، ولم يكترث برسالته ، وجعل يستطعم محاربة أخشنواز ويدعوه إليها ، وجعل أخشنواز يمتنع من محاربته ويتكرّهها ، لأنّ جلّ محاربة الترك إنّما هو بالخداع والمكر والمكائد . ثم إنّ أخشنواز أمر فحفر [1] خلف عسكره خندق عرضه [2] عشرة أذرع وعمقه عشرون ذراعا ، وغمّى بخشب ضعاف ، وألقى عليه التراب ، ثم ارتحل في جنده ومضى غير بعيد . فبلغ فيروز رحلة أخشنواز بجنده من معسكره ، فلم يشكّ أنّ ذلك هزيمة منهم وأنّه قد انكشف [3] وهرب . فأمر بضرب الطبول ، وركب في جنده في [ 165 ] طلب أخشنواز وأصحابه وأغذّوا [4] السير . وكان مسلكهم على ذلك الخندق . فلمّا بلغوه اقتحموه على عماية ، فتردّى فيها فيروز وعامّة جنده ، وهلكوا من آخرهم [5] . وعطف أخشنواز إلى عسكر فيروز واحتوى على كلّ شيء فيه ، وأسر موبذان موبذ ، وصارت فيروز دخت بنت فيروز في من صار في يده من نساء فيروز . ثم قام بالملك بعد فيروز بن يزدجرد ، ابنه : بلاش بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور [6] وكان حسن السيرة ، حريصا على العمارة . وبلغ من حسن نظره أنّه كان لا يبلغه أنّ بيتا خرب وجلا أهله عنه ، إلَّا عاقب صاحب القرية التي فيها ذلك البيت ، على تركه إنعاشهم وسدّ فاقتهم ، حتى لا يضطروا إلى الجلاء عن أوطانهم .
[1] . مط : أن يخف ! [2] . مط : عهته ! [3] . انكشف : انهزم في الحرب . [4] . مط : أعدوا . أغذّ السير : أسرع . [5] . أنظر الطبري 2 : 876 . [6] . نفس المصدر 2 : 882 .