لكن الشعب المسلم في إيران واصل نضاله رغم تبدد آماله وخيبته من الحكومات المتعاقبة والمتظاهرة بالاسلام ، واندفع نحو المزيد من التفكير الجاد في سبيل استكمال النواقص الفكرية المؤدية إلى تلكم النكسات ، والوصول إلى حقيقة التصور الاسلامي للحكم والحكام والجماهير أو بالتعبير القرآني الإمامة والأمة . وبسبب هذه المشاكل وغيرها من المآزق الفكرية والاجتماعية التي وقع فيها اتجه الشعب الإيراني المسلم بعلمائه وحوزاته العلمية شيئا فشيئا إلى اختيار المذهب الشيعي مذهب أهل البيت كمنهج ثابت للصورة الكاملة عن قضايا الإمامة والأمة ، وبوصفه المجسد الحقيقي للفكر القرآني والخط الاسلامي الرسالي . وجاء هذا التحول العظيم نتيجة لحركات وهزات فكرية عنيفة انطلقت من المدن المركزية وحوزاتها العلمية وانتشرت لتشمل سائر المناطق والبلاد بشكل تدريجي وفي خلال خمسة قرون متوالية من الزمن وبحسب قوة ارتباطها وانشدادها بتلكم المدن والحوزات . وإذا ما لا حظنا الخارطة فسنجد ذلك بوضوح ، فالمدن الإيرانية التي عاشت الحياة العلمية وانخرطت في سلك الحركة الثقافية أمثال نيسابور ومرو والري وطوس وأصبهان وشيراز وجرجان وهمذان و . . . و . . . كل هذه المدن اشتركت في انبثاق هذا التحول الهام المنبعث في الواقع من الثورة الثقافية التي فجرها الاسلام منذ البدء ، ولم يشذ من هذا التحول إلا المناطق النائية عن المراكز الثقافية والعلمية . هذا ما حدث في إيران وأما سائر بلاد الاسلام فلم تشهد تلكم الحركات والتطورات الفكرية الجبارة ولم تساير هذا الركب في رحلته الشاقة إلا أشواطا يسيرة قضت عليه الأنظمة الزائفة فيما بعد بمختلف الوسائل والحيل ، لذلك انفردت إيران في مسيرتها المظفرة واتخذت اتجاها معينا ومستقلا عن سائر البلاد من أواسط القرن الثاني وإلى يومنا هذا ، كما لا يخفى على المتتبع