التي فيها صرف الرحمة والعفو عن المستوجبين للقتل مع أن أعداء الملوك لا يحبون الملك أبدا والعاصين لهم لا يمنحونهم الطاعة وقد وعظ الحكماء وقالوا لا تؤخرون معاقبة المستوجبي العقوبة فإن في تأخيرها مدفعة للعدل ومضرة على المملكة في حال التدبير ولئن نالك بعض السرور إن أنت خليت عن أولئك الدعار المنافقين العصاة المستوجبين للقتل لتجدن غب ذلك في تدبيرك ودخول أعظم المضرة والبلية على أهل الملة وأما قولك إنا إنما كسبنا وجمعنا وادخرنا الأموال والأمتعة والبزور وغيرها من بلاد مملكتنا بأعنف اجتباء وأشد إلحاح على رعيتنا وأشد ظلم لا من بلاد العدو بالمجاهدة لهم والقهر عن غلبة منا إياهم على ما في أيهم فمن جوابنا فيه أن من إصابة الجواب في كل كلام يتكلم بجهل وعنجهية ترك الجواب فيه ولكن لم ندع إذ صار ترك الجواب كالاقرار وكانت حجتنا فيما غشينا أن نحتج به قوية وعذرنا واضحا شرح ما سألتنا عنه من ذلك اعلم أيها الجاهل أنه إنما يقيم ملك الملوك بعد الله الأموال والجنود وبخاصة ملك فارس الذي قد اكتنفت بلاده أعداء فاغرة أفواههم لالتقام ما في يديه وليس يقدر على كفهم عنها وردعهم عما يريدون من اختلاس ما يرومون اختلاسه منه إلا بالجنود الكثيفة والأسلحة والعدد الكثيرة ولا سبيل له إلى الكثيف من الجنود والكثير مما يحتاج إليه إلا بكثرة الأموال ووفورها ولا يستكثر من الأموال ولا يقدر على جمعها لحاجة إن عرضت له إليها إلا بالجد والتشمير في اجتباء هذا الخراج وما نحن ابتدعنا جمع الأموال بل اقتدينا في ذلك بآبائنا والماضين من أسلافنا فإنهم جمعوها كجمعنا إياها وكثروها ووفروها لتكون ظهريا لهم على تقوية جنودهم وإقامة أمورهم وغير ذلك مما لم يستغنوا عن جمعها له فأغار على تلك الأموال وعلى جوهر كان في خزائننا المنافق بهرام في عصابة مثله وفتاك مستوجبين للقتل فشذبوها وبذروها وذهبوا بما ذهبوا به منها ولم يتركوا في بيوت أموالنا وخزائننا إلا أسلحة من أسلحتنا لم يقدروا على تشذيبها والذهاب بها ولم يرغبوا فيها فلما ارتجعنا بحمد الله ملكنا واستحكمت أمورنا وأذعن لنا الرعية بالطاعة ودفعنا