responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم والملوك نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 1  صفحه : 404


ويرجعون ، فطولت عليهم وصفحت عنهم ، فأكثرت ومددت لهم في العمر وأعذرت لعلهم يتذكرون ، وكل ذلك أمطر عليهم السماء ، وأنبت لهم الأرض ، وألبسهم العافية ، وأظهرهم على العدو ، فلا يزدادون إلا طغيانا وبعدا مني . فحتى متى ، أبي يتمرسون ، أم إياي يخادعون ، أم علي يتجرؤن ، فإنّي أقسم بعزتي لأقيمن لهم فتنة يتحيّر فيها الحكيم ، ويضل فيها رأي ذو الرأي ، وحكمة الحكيم ، ثم لأسلَّطنّ عليهم جبارا قاسيا عاتيا ، ألبسه الهيبة ، وأنزع من صدره الرحمة والبيان ، يتبعه عد وسواد مثل الليل المظلم [1] ، له فيه عساكر مثل قطع السحاب ، ومراكب مثل العجاج ، كأن حفيف راياته طيران النسور ، وحجل فرسانه كصوت العقبان [2] ، يعيدون العمران خرابا ، والقرى وحشا ، ويبعثون في الأرض فسادا ، ويتبرون ما علوا تتبيرا ، قاسية قلوبهم لا يكترثون ولا يرقون ولا يرحمون ، يجولون في الأسواق بأصوات مرتفعة مثل زئير الأسد تقشعر من هيبتها الجلود . فو عزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ولأخلين مجالسهم من حديثها ودروسها ، ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الذين كانوا يتزينون بعمارتها لغيري ، ويتعبدون فيها لكسب الدنيا بالدين ، ويتفقهون فيها لغير الدين ، ويتعلمون فيها لغير العمل . لأبدلن ملوكها بالعز الذل ، وبالأمن الخوف ، وبالغنى الفقر ، وبالنعمة الجوع ، وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء ، وبلباس الحرير مدارع الوبر ، والعباء بالأرواح الطيبة والأدهان جيف القتلى ، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأغلال .
ثم لأعيدن فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب ، وبعد البروج المشيدة مساكن السباع ، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب ، وبعد ضوء السراج دخان الحريق ، وبعد الأنس الوحشة والقفار .
ثم لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال ، وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد ، وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار ، وبالمشي على الزرابي عبور الأسواق والأنهار ، وبالخدور والستور الحسور عن الوجوه والسوق والأسفار .



[1] في تاريخ الطبري 1 / 550 يتبعه عدد الليل المظلم .
[2] الخبر إلى هنا في تاريخ الطبري .

404

نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم والملوك نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 1  صفحه : 404
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست