نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم والملوك نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 34
يختم القرآن في كل سبعة أيام ، ولا يخرج من بيته إلا إلى الجامع للجمعة وللمجلس ، وما مازح أحدا قط ، ولا لعب مع صبي ، ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها ، وما زال على ذلك الأسلوب حتى توفاه الله [1] . محنة ابن الجوزي ووفاته : كعادة العلماء عندما يصل الواحد منهم إلى درجة عالية من العلم تكثر حوله الوشايات والأحقاد ، فقد تعرض ابن الجوزي إلى محنة كان لها الأثر في القضاء عليه . فكانت محنته أن ابن يونس الحنبلي لما ولي الوزارة عقد مجلسا للركن عبد السلام بن عبد الوهاب ، وأحرق كتبه لما فيها من الزندقة وعبادة النجوم ورأي الأوائل ، وذلك بمشورة من ابن الجوزي وغيره من العلماء ، كما انتزع الوزير مدرسة الركن عبد السلام وسلَّمها إلى ابن الجوزي ، فلما ولي الوزارة ابن القصاب - وكان رافضيا خبيثا - سعى في القبض على ابن يونس ، وتتبع أصحابه ، وأجج الركن عبد السلام نار الحقد في قلبه على ابن الجوزي مشيرا إلى أنه ناصبي وانه من أولاد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وأنه من أكبر أصحاب ابن يونس ، ثم وشى به إلى الخليفة الناصر ، وكان له ميل إلى الشيعة . واستطاع الركن عبد السلام أن يأخذ تفويضا بالتصرف بالشيخ فجاء إلى داره وقذفه وأهانه ، وأخذه قبضا باليد ، وختم على داره ، وشتت أولاده ، ثم أخذه وعليه غلالة بلا سراويل وعلى رأسه تخفيفة وأركبه سفينة بقي فيها خمسة أيام لم يتناول طعاما إلى أن أوصله إلى سجن في واسط ، حيث دخله في سنة 590 ه ، وبقي فيه إلى سنة 595 ه . أي أن عمره خلال سجنه قد قارب الثمانين عاما ، وظل في سجنه يغسل ثوبه ، ويطبخ الشيء بنفسه دون أن تتاح له الفرصة لدخول الحمام خلال هذه السنوات الخمس ، وبقي الشيخ على حاله تلك صابرا على ما أنزله الله عزّ وجلّ فيه من بلواه محتسبا عنده ثواب عمله ، راضيا بقضاء الله وقدره ، يسليه ربه عز وجل ، فيدخل عليه بعض الناس ممن يستمعون منه العلم أو يملي عليهم مسائله ، فيجد بذلك أنس قلبه ، وسلوى نفسه ، وفي تلك الأثناء برع ولده يوسف في الوعظ حتى وصل إلى مقامات عالية ساعدته معها