ذو نواس : ولما بلغ « حمير » ما فعل « ذو نواس » ، قالوا : ما نرى أحدا أحق بالملك ممن أراحنا منه ، فملكوا « ذو نواس » ، وهو صاحب الأخدود الَّذي ذكره الله تعالى في كتابه [1] ، وكان على اليهودية ، فبلغه عن أهل « نجران » أنهم قد دخلوا في النصرانية برجل أتاهم من قبل « آل جفنة » - ملوك « غسان » - فعلمهم إياها ، فسار إليهم بنفسه حتى عرضهم على أخاديد احتفرها في الأرض ، وملأها جمرا ، فمن تابعه على دينه خلى عنه ، ومن أقام على النصرانية قذفه فيها ، حتى أتى بامرأة معها صبي له سبعة أشهر ، فقال لها : يا أمة ، امضى على دينك - فإنه لا نار بعدها ، فرمى بالمرأة وابنها في النار وكف . ومضى رجل من « اليمن » يقال له : ذو ثعلبان ، في البحر إلى ملك « الحبشة » وهو على النصرانية - فخبره بما فعل « ذو نواس » بأهل دينه ، فكتب ملك « الحبشة » إلى « قيصر » / 312 / يعلمه ذلك ، ويستأذنه في التوجه إلى « اليمن » ، فكتب إليه يأمره بأن يصير إليها ، وأعلمه بأنه سيظهر عليها ، وأمره أن يولَّى « ذو ثعلبان » [1] أمر قومه ، ويقيم فيمن يقيم معه ب « اليمن » . فأقبل ملك « الحبشة » في سبعين ألفا من الرجال ، فجمع له « ذو نواس » ، وحاربهم ، فهزموه . وقتلوا بشرا كثيرا من أصحابه ، ومضى منهزما وهو في أثره حتى أتى البحر ، فاقتحم فيه ، فغرق هو وبقية أصحابه ، وكان آخر العهد به . ثم قام مكانه « ذو جدن الحميري » ، فقاتلوه وهزموه أيضا ، حتى ألجئوه إلى البحر ، فاقتحم فيه ، فغرق ومن تبعه من أصحابه . وكان ملك « ذو نواس » ثمانيا وستين سنة .
[1] الَّذي ذكره اللَّه تعالى في كتابه - يشير إلى قوله تعالى : ( قتل أصحاب الأخدود ) . الآية 4 من سورة البروج . [1] ق ، م : « ثعلبان » .