ثم سار إلى أرض الروم ، فكان أقصى أثره تبوك ، فأقام بها ، وبنى مسجدا ، هو بها إلى اليوم . وفتح الله عليه في سفره « دومة الجندل » ، بعث إليها « خالد بن الوليد » ، فأتاه « بأكيدر » صاحبها ، فصالحه على الجزية . ثم قدم المدينة فأقام إلى حضور الموسم سنة تسع ، فبعث « أبا بكر » أميرا على الحاجّ ، فأقام للناس حجّهم ، وهي أول حجة كانت في الإسلام . وأنزلت على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - سورة براءة ، بعد أن سار أبو بكر ، فبعث بها مع عليّ بن أبي طالب ، وأمره أن يقوم بها في الناس [1] إذا فرغ أبو بكر من الحج [2] . ثم صدر أبو بكر وعليّ - رضي الله عنهما - إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم . ودخلت سنة عشر ، فأقامها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - بالمدينة . وجاءته وفود العرب من كل وجه ، وبعث رسله إلى ملوك الأرض ، ودخل الناس في الإسلام أفواجا ، وأنزلت عليه ( إِذا جاءَ نَصْرُ الله والْفَتْحُ ) 110 : 1 [1] . فعلم أنه قد نعى إلى نفسه . فلما حضر الموسم خرج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، فأقام للناس حجّهم وعرّفهم مناسكهم ، ثم صدر إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة من سنة عشر ، والمحرّم وصفر واثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة ، ثم قبضه الله إليه يوم الاثنين . وكان مقامه بالمدينة إلى أن قبض عشر سنين ، وقد بلغ من السن ثلاثا وستين سنة .
[1] * ( إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّه والْفَتْحُ 110 : 1 ) * - الآية الأولى من سورة النصر . المعارف لابن قتيبة [1] ب : « في الناس ويقرأها » . [2] زادت « ب » : « فقرأ عليّ - رضي الله عنه - سورة براءة على الناس في الموسم على المنبر . فقال ابن عباس : فوالله لو سمعها الترك والدّيلم لأسلموا من حسن قراءته » .