responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي    جلد : 1  صفحه : 369


وهي أخذة بيد غلام قلما رأيت مثله في حسنه وجماله له ذؤابتان كالسبج المنظوم وهي تعاتبه بلسان رطب وكلام عذب تحن إليه الأسماع وترتاح له القلوب وأكثر ما أسمع منها أي بني وهو يبتسم في وجهها قد غلب عليه الحياء والخجل كأنه جارية بكر لا يرد جواباً . فاستحسنت ما رأيت واستحليت ما سمعت فدنوت منه وسلمت فرد علي السلام فوقفت أنظر إليها فقالت : يا حضري ما حاجتك فقلت : الاستكثار مما أسمع والاستمتاع بما أرى من هذا الغلام . فقالت يا حضري : إن شئت سقت إليك من خبره ما هو أحسن من منظره فقلت : قد شئت يرحمك الله . فقالت : حملته والرزق عسر والعيش نكد حملاً خفيفاً حتى مضت له تسعة أشهر وشاء الله عز وجل أن أضعه فوضعته خلقاً سوياً فوربك ما هو إلا أن صار ثالث أبويه حتى أفضل الله عز وجل وأعطى وأتى من الرزق بما كفى وأغنى ثم أرضعته حولين كاملين فلما استتم الرضاع نقلته من خرق المهد إلى فراش أبيه فربي كأنه شبل أسد أقيه برد الشتاء وحر الهجير حتى إذا مضت له خمس سنين أسلمته إلى المؤدب فحفظه القرآن فتلاه وعلمه الشعر فرواه ورغب في مفاخر قومه وآبائه وأجداده فلما أن بلغ الحلم واشتد عظمه وكمل خلقه حملته على عتاق الخيل فتفرس وتمرس ولبس السلاح ومشى بين بويتات الحي الخيلاء فأخذ في قري الضيف وإطعام الطعام وأنا عليه وجلة أشفق عليه من العيون أن تصيبه فاتفق أن نزلنا بمنهل من المناهل بين أحياء العرب فخرج فتيان الحي في طلب ثأر لهم وشاء الله تعالى أن أصابته وعكة شغلته عن الخروج حتى إذا أمعن القوم ولم يبق في الحي غيره ونحن آمنون وادعون ما هو إلا أن أدبر الليل وأسفر الصباح حتى طلعت علينا غرر الجياد وطلائع العدو فما هو إلا هنيهة حتى أحرزوا الأموال دون أهلها وهو يسألني عن الصوت وأنا أستر عنه الخبر إشفاقاً عليه وضناً به حتى إذا علت الأصوات وبرزت المخدرات رمى دثاره وثار كما يثور الأسد وأمر بإسراج فرسه ولبس لأمة حربه وأخذ رمحه بيده ولحق حماة القوم فطعن أدناهم منه فرمى به ولحق أبعدهم منه فقتله فانصرفت وجوه الفرسان فرأوه صبياً صغيراً لا مدد وراءه فحملوا عليه فأقبل يؤم البيوت ونحن ندعو الله عز وجل له بالسلامة حتى إذا مدهم وراءه وامتدوا في أثره عطف عليهم ففرق شملهم وشتت جمعهم وقلل كثرتهم ومزقهم كل ممزق ومرق كما يمرق السهم وناداهم : خلوا عن المال فوالله لا رجعت إلا به أو لأهلكن دونه فانصرفت إليه الأقران وتمايلت نحوه الفرسان وتميزت له الفتيان وحملوا عليه وقد رفعوا إليه الأسنة وعطفوا عليه بالأعنة فوثب عليهم وهو يهدر كما يهدر الفحل من وراء الإبل وجعل لا يحمل على ناحية إلا حطمها ولا كتيبة إلا مزقها حتى لم يبق من القوم إلا من نجا به فرسه ثم ساق المال وأقبل به فكبر القوم عند رؤيته وفرح الناس بسلامته فوالله ما رأينا قط يوماً كان أسمح صباحاً وأحسن رواحاً من ذلك اليوم ، ولقد سمعته يقول في وجوه فتيان الحي هذه الأبيات : [ من الطويل ] تأملن فعلي هل رأيتن مثله * إذا حشرجت نفس الجبان من الكرب وضاقت عليه الأرض حتى كأنه * من الخوف مسلوب العزيمة والقلب

369

نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي    جلد : 1  صفحه : 369
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست