responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي    جلد : 1  صفحه : 187


بقرة تحلب قدر ثلاث بقرات فتعجب الملك من ذلك وحدثته نفسه بأخذها فلما كان من الغد حلبت له النصف مما حلبت بالأمس فقال له الملك : ما بال حلبها نقص أرعت في غير مرعاها بالأمس فقال : لا ولكن أظن أن ملكنا رآها أو وصله خيرها فهم بأخذها فنقص لبنها فإن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة . فتاب الملك وعاهد ربه في نفسه إن لا يأخذها ولا يحسد أحداً من الرعية فلما كان من الغد حلبت عادتها ومن المشهور بأرض المغرب أن السلطان بلغه أن امرأة لها حديقة فيها القصب الحلو وأن كل قصبة منها تعصر قدحاً فعزم الملك على أخذها منها ثم أتاها وسألها عن ذلك فقالت : نعم ثم إنها عصرت قصبة فلم يخرج منها نصف قدح فقال لها : أين الذي كان يقال فقالت : هو الذي بلغك إلا أن يكون السلطان قد عزم على أخذها مني فارتفعت البركة منها فتاب الملك وأخلص لله النية وعاهد الله أن لا يأخذها منها أبداً ثم أمرها فعصرت قصبة منها فجاءت ملء قدح . وحكى سيدي أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه سراج الملوك قال : حدثني بعض الشيوخ ممن كان يروي الأخبار بمصر قال : كان بصعيد مصر نخلة تحمل عشرة أرادب ولم يكن في ذلك الزمان نخلة تحمل نصف ذلك فغصبها السلطان فلم تحمل شيئاً من ذلك العام ولا تمرة واحدة وقال لي شيخ من أشياخ الصعيد أعرف هذه النخلة وقد شاهدتها وهي تحمل عشرة أرادب وستين ويبة وكان صاحبها يبيعها في سني الغلاء كل ويبة بدينار .
وحكى أيضاً رحمه الله تعالى قال : شهدت في الإسكندرية والصيد مطلق للرعية السمك يطفو على الماء لكثرته وكانت الأطفال تصيده بالخرق من جانب البحر ثم حجزه الوالي ومنع الناس من صيده فذهب السمك حتى لا يكاد يوجد إلى يومنا هذا وهكذا تتعدى سرائر الملوك وعزائمهم ومكنون ضمائرهم إلى الرعية إن خيراً فخير وإن شراً فشر . وروى أصحاب التواريخ في كتبهم قالوا كان الناس إذا أصبحوا في زمان الحجاج يتساءلون إذا تلاقوا من قتل البارحة ومن صلب ومن جلد ومن قطع وما أشبه ذلك وكان الوليد بن هشام صاحب ضياع واتخاذ مصانع فكان الناس يتساءلون في زمانه عن البنيان والمصانع والضياع وشق الأنهار وغرس الأشجار ولما ولي سليمان بن عبد الملك وكان صاحب طعام ونكاح كان الناس يتحدثون ويتساءلون في الأطعمة الرفيعة ويتغالون في المناكح والسراري ويعمرون مجالستهم بذكر ذلك ولما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان الناس يتساءلون كم تحفظ من القرآن وكم وردك كل ليلة وكم يحفظ فلان وكم يختم وكم يصوم من الشهر وما أشبه ذلك فينبغي للإمام أن يكون على طريقة الصحابة والسلف رضي الله عنهم ويقتدي بهم في الأقوال والأفعال فمن خالف ذلك فهو لا محالة هالك وليس فوق السلطان العادل منزلة إلا نبي مرسل أو ملك مقرب وقد قيل : إن مثله كمثل الرياح التي يرسلها الله تعالى بشراً بين يدي رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحاً للثمرات وروحاً للعباد ولو تتبعت ما جاء في العدل والإنصاف وفضل الإمام العادل لألفت في ذلك مجموعاً جامعاً لهذا المعنى ولكن اقتصرت على ما ذكرته مخافة أن يمله الناظر ويسأمه السامع وبالله التوفيق إلى أقوم طريق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

187

نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي    جلد : 1  صفحه : 187
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست