كثرة أنواع المهدي والخلاف حول اسمه وأصله وسماته وزمانه وانجازاته ، لكن الذي شدني أكثر هو كيف دخلت عقيدة المخلص إلى عقول المسلمين ورسخت لديهم رسوخا شديدا ، مع أنه لا أثر لها لدي عرب قبل الاسلام وما من إشارة لها في القرآن الكريم كأمر مقبول أو مدعو له ، ثم إن جميع ما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قط فيه سمة " المخلص والفداء " .
وتابعت البحث في هذا الموضع ليس لدى الأحزاب والفرق الاسلامية وإنما في المسيحية الوسيطة ، وفي جذور هذا الايمان في سفر الرؤيا وفي تراث الزروانية ( ديانة الدهر ) والغنطوسية ولدى كتاب هام حول هذا الموضوع سأتولى نشره قريبا ضمن مشروع كبير أعده عن الحروب الصلبية .
وكانت هذه الأمور جمعيا إحدى الخلفيات التي دعتني لاستئناف العمل في كتاب الفتن ، وقد لفت انتباهي انعدام العلاقة الملموسة مع مؤثرات سفر الرؤيا ، وتمام التباين بين مواده والمواد الرؤية في تراث الفرق الاسلامية خاصة الشيعة الإسماعيلية ، ففي رسائل الهند - مثلا - الدرزية قصائد رؤية هامة جدا ، كما أن المواد المروية من الأئمة فيها شبه شديد بالتراث الرؤي القديم وبذلك الذي تطور في أوربا الوسيطة ، فالشبه قوي بين الذين مارسوا اللطم من المسلمين في المشرق وبين مسيحيي أوربا الغربية حتى عصر النهضة ، كما إن دراسة تيارات الروح الحرة وسيرة عدد ممن ادعي أنه المسيح المنتظر بين الأوربيين ثم قام بادعاء ألوهية تساعد بشكل حاسم على فهم عقيدة القيامة والكشف لدي الإسماعيلية مع قضايا تقديس بعض الشخصيات وتصعيدها إلى عليين .
ويتساءل الانسان عندما يقرأ كتاب الفتن لابن حماد عن الدوافع لاختيار هذا العنوان ولجمع مواده الكبيرة ، ثم إنه متى تجمع هذا التراث الهائل واخترع ونسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أصحابه ، ومن الذي اخترعه ، والاهم من هذا كله كيف توفرت الأجواء لقبوله ورواجه ؟
قسم كبير من مواده شامية وبعضها يعكس مشاكل آنية اجتماعية وسياسية وبعضها الاخر يعبر عن مطامع المسلمين العظيمة في فتح القسطنطينية وروما ، ولا شك أن هذا كله له علاقة بما حدث في العصر الأموي وبالسياسة الدفاعية التي اتخذتها الدولة العباسية تجاه بيزنطه وبما عاناه العرب من التمزق والعصبيات ، وتبقى قضية الخداع الذاتي للعقل ومسخ القناعات والهروب ، من أخطر الاشكاليات التي تثيرها مواد هذا الكتاب .
فهذا الكتاب صنف - كما سنرى من قبل واحد من أعلام القرنين الثاني ومطلع الثالث

4