له خدمات جليلة كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا [1] . وهكذا كان يتقن الإفادة من ذرائع الحرب الصغيرة . ومع هذا كله لم يكن يطمع في الأموال بل كان فيه زهد وغرابة لم يكن يعبر عنهما بالألفاظ ولابد أن يكون قد أغضب الكثيرين حينما ترك الذهب الوفير الذي حصل عليه من بيت المال في سامراء يسقط من خرج دابته في النهر ! وفي أحرج ساعات الخطر كان يكشف عن عدم اكتراث عجيب . وبعد هزيمته الأولى كان مطرقا برأسه بعيد الخاطر عما حوله أكان يفكر في مقتل زوجه التي كان لا يفصله عنها شئ روحيا وماديا ؟ لعل ذلك كان يشغل ذهنه أكثر من فقدانه المعركة . ولم يبع نفسه للقضية التي عمل من أجلها بيعا تاما فقد كانت نوازعه الانسانية أقوى من أن تدعه يفعل ذلك وهذا أمر لاشك أن المتعصبين من رجال حزبه قد أحسوا به . فما كان يستثير عطف الآخرين عليه ( ومنهم أيضا أبو مخنف ) كان يثير في أولئك المتعصبين الكراهية . وإنه لمن المؤلم حقا أن يكون قد وضع قوته في خدمة جماعة كهذه . لهذا فإن خاتمته - في مثل هذه الظروف - تبعث على الرضا . لقد انفجر الشهاب الثاقب في أعلى السماء ! . وبعد موت شبيب لم تعد عصابته بذات أهمية . ولكن حركة الخوارج ظلت قوية في نواحي الموصل بين بني شيبان وسائر آل بكر وقامت لهم حركات من حين إلى حين ولم يكن زعيمهم أو وليهم هو شبيب بل سلفه صالح بن مسرح يتعظون بمواعظه المجموعة ويزورون قبره ويحلقون رؤسهم عنده [2] . وعد صالح من الصفرية ( الطبري 2 / 880 س 16 ) والصفرية لم يكونوا قساة غلاظا كالأزارقة .
[1] لما عسكر في كنسية البت عند نهر حولايا في مواجهة أهل الكوفة أقبل عليه السكان النصارى وقالوا له : ( أصلحك الله ! أنت ترحم الضعفاء وأهل الجزية ويكلمك من تلى عليه ويشكون إليه ما نزل بهم فتنظر لهم وتكف عنهم وإن هؤلاء القوم ( أي أهل الكوفة ) جبابرة لا يكلمون ولا يقبلون العذر . والله لئن بلغهم أنك مقيم في بيعتنا ليقتلوننا إن قضي لك أن ترتحل عنا . فإن رأيت فانزل جانب القرية ولا تجعل لهم علينا مقالا ) . فقال شبيب : ( فإني أفعل ذلك بكم ) . ثم خرج فنزل جانب القرية ( الطبري 2 / 934 س 7 - س 12 ) . [2] ابن قتيبة ( ص / 209 ) وكان الخوارج عامة يحرصون على ذكر شهدائهم والاستغفار لهم والبكاء لموتهم ( الطبري 2 / 900 س 2 - س 4 ) .