نام کتاب : التنبيه والإشراف نویسنده : المسعودي جلد : 1 صفحه : 38
في الطيب والغذاء ، وذلك أن أطيب خيرات الدنيا بعد الامن والعافية والعز والرئاسة ، صلاح الماء والهواء ، ثم أفضل أنهار العالم دجلة والفرات ، وان نازع في ذلك أهل مصر وفضلوا نيلهم ، وأطيب مواضع العالم في كل الأزمنة عند قياس بعضها إلى بعض وقياس بعض البلدان إلى بعض موضع اجتماع دجلة والفرات ، وذلك أن بعض المواضع يطيب صيفه ويفسد شتاؤه فسادا يمتنع فيه من المكاسب المهنية والمطالب الصناعية لشدة برده ودوام سقوط ثلجه ، ومنها ما يطيب شتاؤه ويفسد صيفه حتى يشغل الحر والومد والبق والهوام عن تخشين الزي باللباس والتصرف في المهن والصناعات ويعز * علينا بما دفعنا إليه من مفارقة هذا المصر الذي به مولدنا وفيه منشؤنا ، فنأت الأيام بيننا وبينه وساحقت مسافاتنا عنه فبعدت الدار ، وتراخى المزار . لكنه الزمن الذي من شأنه التشتت والدهر الذي من شرطه الإفاتة ، ولقد أحسن أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي حيث يقول في هذا المعنى في كلمة له أيا نكبة الدهر طوحت * بنا * أيادي سبا في شرقها والمغارب قفى بالتي نهوى فقد طرت * بالتي * إليها تناهت فاجعات المصائب وقال آخر بلاد بها أنسى وأهلي وجيرتي * وقد يتناسى الشئ وهو حبيب ولولا الشوق إلى الوطن والحنين إلي المنشأ لم نذكر ما ذكرناه من هذه المعاني قال بعض الحكماء : إن من علامة وفاء المرء وحسن دوام عهده ، حنينه إلى إخوانه وشوقه إلى أوطانه ، وإن من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة ، والى مسقط رأسها تواقة وقال آخر : عمر الله الأبدان * ، بحب الأوطان . فمن علامة كرم المحتد ، الحنين إلى المولد
38
نام کتاب : التنبيه والإشراف نویسنده : المسعودي جلد : 1 صفحه : 38