نام کتاب : التذكرة الحمدونية نویسنده : ابن حمدون جلد : 1 صفحه : 94
اللَّه عليهم ، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء ، لولا الأجل الذي كتب اللَّه لهم ( 1 ) لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب ، وخوفا من العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن قد رآها ، فهم فيها منعّمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون ، قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، وأجسادهم نحيفة ، وحاجتهم ( 2 ) خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة ، تجارة مربحة ( 3 ) يسّرها لهم ربهم ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ، وأسرتهم ففادوا ( 4 ) أنفسهم منها . أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن ( 5 ) يرتلونه ترتيلا ، يحزّنون به أنفسهم ، ويستثيرون به دواء دائهم ، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، وتطلَّعت نفوسهم إليها شوقا ، وظنوا أنها نصب أعينهم وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ، فظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم ، فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم وأكفّهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، يطلبون إلى اللَّه في فكاك رقابهم ، وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء ، قد براهم الخوف بري القداح ، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى ، وما بالقوم من مرض ، ويقول : قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم ، لا يرضون من أعمالهم بالقليل ( 6 ) ولا يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زكَّي أحد منهم خاف مما يقال له ، فيقول : ربي أعلم بنفسي مني ، وأنا أعلم بنفسي من غيري ، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون . فمن علامة أحدهم : أنك ترى له
94
نام کتاب : التذكرة الحمدونية نویسنده : ابن حمدون جلد : 1 صفحه : 94