نام کتاب : التذكرة الحمدونية نویسنده : ابن حمدون جلد : 1 صفحه : 296
وإنزالهم منازلهم ، واتهام بعضهم على بعض ، فإنه إن وجد بعضهم إلى إهلاك بعض سبيلا ، أو إلى تهجين بلاء المبلين ( 1 ) ، وإحسان المحسنين ، والتغطية على إساءة المسيئين ، سارعوا إلى ذلك ( 2 ) ، واستحالوا محاسن أمور المملكة ، وهجّنوا مخارج رأيه ، ولم يبرح منهم حاسد قد أفسد ناصحا ، وكاذب قد اتّهم أمينا ، ومحتال قد أعطب بريئا . وليس ينبغي للملك أن يفسد أهل الثقة في نفسه بغير أمر يعرفه ، بل ينبغي في فضل حلمه وبسط علمه الحيطة على رأيه فيهم ، والمحاماة على حرمتهم وذمامهم ، وأن لا يسرع إلى إفسادهم ، ولا يغتفر مع ذلك زلَّة زلَّها أحد منهم ، ولم يزل جهّال الناس يحسدون علماءهم ، وجبناؤهم شجعانهم ، ولئامهم كرماءهم ، وفجّارهم أبرارهم ، وشرارهم خيارهم . [789] - وقال سابور بن أردشير في عهده إلى ولده : وليكن وزيرك مقبول القول عندك ( 3 ) ، قويّ المنزلة لديك ، يمنعه مكانه منك وما يثق به من لطافة منزلته من الخشوع لأحد أو الضراعة لأحد ، أو المداهنة في شيء مما تحت يده ، لتبعثه الثقة بك على محض النصيحة لك ، والمنابذة لمن أراد غشّك ، وانتقاصك حقّك ، وإن أورد عليك رأيا يخالفك ولا يوافق الصواب عندك ، فلا تجبهه جبهة الظنين ، ولا ترده عليه بالتهجم فيفت في عضده ذلك ويقبضه عن ابثاثك ( 4 ) كلّ رأي يلوح صوابه ، بل اقبل ما ارتضيت من قوله ، وعرّفه ما تخوّف من ضرر الرأي الذي انصرفت عنه ، لينتفع بأدبك فيما يستقبل الرأي فيه ، واحذر كلّ الحذر أن تنزل بهذه المنزلة سواه ممّن يطيف بك من خدمك