نام کتاب : البيان والتبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 62
وخالف عليه سهل بن هارون وكان سهل في نفسه عتيق الوجه حسن الإشارة بعيدا من الفدامة معتدل القامة مقبول الصورة يقضى له بالحكمة قبل الخبرة وبرقة الذهن قبل المخاطبة وبدقة المذهب قبل الامتحان وبالنبل قبل التكشف فلم يمنعه ذلك أن يقول ما هو الحق عنده وإن أدخل ذلك على حاله النقص قال سهل بن هارون لو أن رجلين خطبا أو تحدثا أو احتجا أو وصفا وكان أحدهما جميلا جليلا بهيا جسيما نبيلا وذا حسب شريفا وكان الآخر قليلا قميئا وباذ الهيئة دميما وخامل الذكر مجهولا ثم كان كلاهما في مقدار واحد من البلاغة وفي وزن واحد من الصواب لتصدع عنهما الجمع وعامتهم تقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم وللباذ الهيئة على ذي الهيئة ولشغلهم التعجب منه عن مساواة صاحبة ولصار التعجب منه سببا للعجب به ولكان الاكثار في شأنه علة للاكثار في مدحه لأن النفوس كانت له أحقر ومن بيانه أيأس ومن حسده أبعد فإذا هجموا منه على ما لم يحتسبوه وظهر منه خلاف ما قدروه تضاعف حسن كلامه في صدورهم وكبر في عيونهم لأن الشيء من غير معدنه أغرب وكلما كان أغرب كان ابعد في الوهم وكلما كان أبعد في الوهم كان اظرف وكلما كان اظرف كان أعجب وكلما كان أعجب كان أبدع وانما ذلك كنوادر كلام الصبيان وملح المجانين فان ضحك السامعين من ذلك أشد وتعجبهم به أكثر والناس موكلون بتعظيم الغريب واستطراف البديع وليس لهم في الموجود الراهن المقيم وفيما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل وفي النادر الشاذ وكل ما كان في ملك غيرهم وعلى ذلك زهد الجيران في عالمهم الأصحاب في الفائدة من صاحبهم وعلى هذه السبيل يستطرفون القادم عليهم ويرحلون إلى النازح عنهم ويتركون من هو أعم نفعا وأكثر في وجوه العلم تصرفا وأخف مؤونة وأكثر فائدة ولذلك قدم بعض الناس الخارجي على العريق والطارف على التليد وكانوا يقولون إذا كان الخليفة بليغا والسيد خطيبا فإنك تجد جمهور الناس وأكثر الخاصة فيهما على أمرين إما رجلا يعطي كلامهما من التعظيم والتفضيل والاكبار والتبجيل على قدر حالهما في نفسه وموقعهما من قلبه وإما رجلا تعرض له
62
نام کتاب : البيان والتبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 62