نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 9
وفي أواخر حياته ، سعى إليه المتوكَّل طالبا إيّاه ، فأجابه الجاحظ : « وما يصنع أمير المؤمنين بامرىء ليس بطائل ، ذي شقّ مائل ، ولعاب سائل ، ولون حائل ؟ » . وقال المّبرد : « دخلت على الجاحظ في آخر أيامه فقلت له : كيف أنت ؟ قال : كيف يكون من نصفه مفلوج نو حزّ بالمناشير لا يشعر به ، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه » . ولم يهجره الألم ؛ بل تفاقم . وظل يرافقه مرافقة الكتب له . وما كاد يطوي صفحة من صفحاتها ، حتى طوت سطور أيّامه الأخيرة بسقوطها عليه ، مشكَّلة قبره الذي أحب مغمورا بالورق والأحرف والكلمات . وهكذا كانت ميتة شهيد الكتاب سنة 255 ه . للجاحظ أكثر من مئة وسبعين كتابا بين رسالة صغيرة ومؤلف ، إلا أن معظم هذه الآثار لم يسلم . وإن عوامل كثيرة كانت سببا في ضياع مؤلفات عديدة لعباقرة عرب كالجاحظ . وبقي لنا بقية مما ألَّفه أبو عثمان وأودعه خزائن التراث العربي ، نذكر منها : كتاب البيان والتبيين ، وكتاب الحيوان ، وكتاب البخلاء الذي نخصّصه هنا بالتفصيل . وإنك إذا قرأته قراءة عميقة وجدت ، ما يرمي إليه صاحبه من أبعاد تتناول حياة العصر العباسي ، وشؤون الناس ، وما أحاط بها من تغيّرات طارئة ، وعادات دخيلة ، وتقاليد غريبة ، وأفكار جديدة على الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية والفكرية . إذن ما هو هذا الكتاب ، وما غايته ، وماذا يتضمن ؟ هو كتاب يصوّر أحوال فئة من الناس اتخذت لنفسها منهجا معيّنا في التفكير والتصرّف والسلوك . وباتت مقتنعة به اقتناعا كاملا ، تبدّدت في ظله كل الأشياء الأخرى . فإذا البخل هو واقعهم ومفهومهم وحياتهم التي يسيرون عليها ، محاولين إسدال ستار من العلم عليه ، علَّهم في ذلك يقنعون الناس إيهاما بأنهم أصحاب فكر ومنطق ، ورجال تدبير ، وذو واقتصاد وتوفير . كان الجاحظ في كتاب البخلاء عالما شأنه في جميع مؤلفّاته . كان عالما طبيعيا
9
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 9