responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 226


وقد أكثروا في ذكر الكرم . وما الكرم إلا كبعض الخصال المحمودة التي لم يعدمها بعض الذم ، وليس شيء يخلو من بعض النقص والوهن . وقد زعم الأولون أن الكرم بسبب الغنى [1] ، وأن الغنى يسبب البله [2] ، وأنه ليس وراء الأبله إلا المعتوه . وقد حكوا عن كسرى أنه قال : « احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللئيم إذا شبع » ، وسواء جاع فظلم وأحفظ وعسف ، أم جاع فكذب وضرع وأسفّ [3] ، وسواء جاع فظلم غيره ، أم جاع فظلم نفسه ، والظلم لؤم . وإن كان الظلم ليس بلؤم فالإنصاف ليس بكرم . وإن كان الجود ، على من لا يستحق الجود كرما ، فالجود لمن وجب له ذلك ليس بكرم . فالجود إذا كان للَّه فكان شكرا له ، والشكر كرم . فكيف يكون الجود ، إذا كان معصية كرما ، وكيف يتكرّم من يتوصّل بأياديك الى معصيتك ، وبنعمك الى سخطك ؟ فليس الكرم إلا الطاعة ، وليس اللؤم إلا المعصية ، وليس بجود ما جاوز الحق ، وليس بكرم ما خالف الشكر . ولئن كان مجاوز الحق كريما ، ليكونن المقصّر دونه كريما .
فإن قضيتم بقول العامة ، فالعامة ليست بقدوة . وكيف يكون قدوة من لا ينظر ولا يحصّل ولا يفكر ولا يمثّل [4] ؟ وإن قضيتم بأقاويل الشعراء ، وما كان عليه أهل الجاهلية الجهلاء ، فما قبّحوه مما لا يشك في حسنه أكثر من أن نقف عليه ، أو نتشاغل باستقصائه . على أنه ليس بجود إلا ما أوجب الشكر ، كما أنه ليس ببخل إلا ما أوجب اللوم . ولن تكون العطية نعمة على المعطى حتى يراد بها نفس ذلك المعطى [5] . ولن يجب عليه الشكر إلا مع شريطة القصد . وكل من كان جوده يرجع إليه ، ولو لا رجوعه إليه لما جاد عليك ، ولو تهيأ له ذلك



[1] الغنى : وقد جاء « الغباء » بدلا من الغنى في نسخة اخرى . والغباء : عدم الفطنة .
[2] البله : ضعف العقل .
[3] الصولة : السطوة في حرب ، الغلبة ، القهر . احفظ : اغضب . وعسف : ظلم وضرع : خضع ، وذل . وأسفّ : انحطَّ .
[4] لا يمثل : لا يعطي صورة صادقة .
[5] اي لا يمكن ان يكون العطاء صادقا صافيا ، إلا اذا كان صادرا عن ارادة النفس التي تعطي بعيدة عن اية منفعة .

226

نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 226
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست