نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 12
جليّة في كتابه ، إذ إن الجاحظ تجرّد من ذاته ، وترك البخلاء أنفسهم يتحدثون عن قضاياهم ، دون أن يدخل نفسه شريكا أو موجها في الصورة ، أو في الموضوع . ولم تجر أقاصيصه على وتيرة واحدة ؛ بل كانت كل منها تطغى على الأخرى من حيث النكهة والموضوع والأسلوب . ويقيننا أن أسلوبه الصامت هذا ، كان من الأساليب التي أدّت إلى نجاح نوادره وتحليل نفسيات بخلائه . لقد رسم أبو عثمان بخلاءه بريشته الماهرة الساخرة التي يصعب على المتقدمين والمتأخرين استعمالها ، أو إجادة التصوير بها ، لأنها ريشة متميزة لها خصائصها الأسلوبية والذوقية والنفسية التي طبعت أدب الجاحظ بطابع خاص متفرّد . كان الجاحظ في كتاب « البخلاء » فنانا بطبعه اعتمد لونا أساسيا ، وهو الذات البشرية . فغاص الى أعماقها ، يستنبط ما في جوانبها من عقد وغرابة وغموض . فهو لم يقص حكاياته لإثارة تلك الغرابة ، وإنما للدلالة على تلك المواقف النفسية والتعقيدات التي كان يعانيها البخلاء في عصره . وبالإضافة الى ذلك ، فإننا لا نغفل الأسلوب المسرحي الذي تحقق له في كل نادرة ، وخاصة في أقصوصة « مريم الصنّاع » و « شيخ النخالة » و « معّاذة العنبرية » ، فإننا وبحق نجد أنفسنا أمام خشبة مسرح تقوم عليها هذه الشخصيات وتنهض وتتحرك كأنها من لحم ودم . ومما ينبغي أن نقوله في كتاب « البخلاء » إن صاحبه لم يصل من خلاله إلى غاية واحدة ، بل بلغ به غايات أخرى أكثر شمولية وإحاطة بدراسة الفرد والمجتمع والإنسان . فإذا كان كتاب « البخلاء » قمة في النقد الإجتماعي والأخلاقي ، وصورة ترسم حقيقة طبقة معينة ، فإن كتب الجاحظ كلها توازي قمة « البخلاء » شموخا . ولهذا قال ابن العميد : « كتب الجاحظ تعلم العقل أولا ، والأدب ثانيا » .
12
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 12