بمنزلته عند الخليفة ، فأشار إليه إبراهيم بن عبد اللَّه بن مطيع أن اسكت وكفّ واخرج ، فإنّي كافيك . فلمّا خرج إبراهيم لقيه نصيب ، فقال له : أشرت إليّ فكرهت أن أغضبك ، فما كرهت لي من مراجعته والصّلابة له ومن ورائي المستعتب من أمير المؤمنين ؟ فقال إبراهيم : هو رجل عربيّ حديد غلق [1] ، وخشيت إن جاذبته شيئا ألَّا يرجع عنه وأن يمضي عليه ويلجّ [2] فيه ، وهو مالك للأمر وله فيه [3] سلطان ، / فأردت أن تخرج قبل أن يلجّ ويظهر منه ما لا يرجع عنه فيمضي عليه ويلجّ فيه ، فتنتظر لتصادف منه طيب نفس فتكلَّمه ونرفدك [4] عنده . فقال نصيب : < شعر > / يومان يوم لرزيق [5] فسل ويومه الآخر سمح فضل < / شعر > أنا - جعلت فداءك - فاعل ذلك ، فإذا رأيت القول فأشر إليّ حتى أكلَّمه . قال : ودخل إليه نصيب عشيّات ، كلّ ذلك يشير إليه ابن مطيع ألَّا يكلَّمه ، حتى صادف عشيّة من العشيّات منه طيب نفس ، فأشار إليه أن كلَّمه . فكلَّمه نصيب فأصاب مختله [6] بكلامه ، ثم قال : إنّي قد قلت شعرا فاسمعه أيّها الأمير وأجزه ، ثم قال : < شعر > أهاج البكا ربع بأسفل ذي السّدر [7][8] عفاه اختلاف العصر بعدك والقطر نعم فثناني الوجد فاشتقت للَّذي ذكرت وليس الشوق إلا مع الذّكر حلفت بربّ الموضعين [9] لربّهم وحرمة ما بين المقام إلى الحجر لئن حاجتي يوما قضيت ورشتني [10] بنفحة عرف من يديك أبا بشر [11] لتعترفنّ [12] الدّهر منّي مودّة ونصحا على نصح وشكرا على شكر سقى اللَّه صوب المزن أرضا عمرتها [13] بريّ وأسقاها [14] بلاد بني نصر < / شعر >
[1] الغلق هنا : الضيق الخلق العسر الرضا . [2] يلجّ فيه : يتمادى عليه ، يقال : لجّ في الأمر ، إذا تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه . [3] في ح ، ر : « وله فينا سلطان » . [4] رفده وأرفده : أعانه . [5] في ت ، ح : « لزريق » . والفسل : الرديء الرذل من كل شيء . [6] في ح : « نخيلة كلامه » . [7] ذو السدر : اسم موضع بعينه ، كذا ذكره ياقوت ولم يبينه . [8] عفت الرّيح الدار كعفّتها : جعلتها دارسة بالية . [9] الموضعين : المسرعين في السير ، من الإيضاع وهو سير مثل الخبب . [10] يقال : رشت فلانا ، إذا قوّيت جناحه بالإحسان فارتاش وتريّش ، قال الشاعر : < شعر > فرشني بخير طالما قد بريتني وخير الموالي من يريش ولا يبري < / شعر > [11] في ت : « أبا بكر » . [12] في ت : « ليعترفن » . وفي م ، ح : « لتعرفن » وكلاهما تحريف . وفي سائر الأصول : « إذا تعرفن » . واعترف هنا بمعنى عرف ، ومثله قول أبي ذؤيب يصف نعاما : < شعر > مرته النعامى فلم يعترف خلاف النعامى من الشام ريحا < / شعر > والنعامى : من أسماء ريح الجنوب . [13] كذا في أكثر النسخ . وفي ت : « حللتها بريّ » . وفي ح ، ر : « حللتها رهاما » . والرهام : جمع رهمة وهي المطر الضعيف الدائم . [14] كذا في ح ، ر . وفي سائر النسخ : « فأسقاها » .