كبرت ، فشبّب بها عمر بن أبي ربيعة وفضحها ونوّه باسمها كما فعل بنساء قريش ، واللَّه لا أقمت بمكة . فباع ضيعة له بالطائف ومكة ورحل بابنته إلى البصرة ، فأقام بها وابتاع هناك ضيعة ، ونشأت ابنته من أجمل نساء زمانها [1] . ومات أبوها فلم تر أحدا من بني جمح حضر جنازته ، ولا وجدت لها مسعدا [2] ولا عليها داخلا . فقالت لداية [3] لها سوداء : من / نحن ؟ ومن أيّ البلاد نحن ؟ فخبّرتها . فقالت : لا جرم واللَّه لا أقمت في هذا البلد الذي أنا فيه غريبة ! فباعت الضيعة والدار ، وخرجت في أيام الحج . وكان عمر يقدم فيعتمر [4] في ذي القعدة ويحلّ [5] ، ويلبس تلك الحلل والوشي ، ويركب النّجائب المخضوبة بالحنّاء عليها القطوع [6] والدّيباج ، ويسبل لمّته ، ويلقّى العراقيّات فيما بينه وبين ذات عرق محرمات ، ويتلقّى المدنيّات إلى مرّ ، ويتلقّى الشاميات إلى الكديد . فخرج يوما للعراقيّات فإذا قبّة مكشوفة فيها جارية كأنها القمر ، تعادلها [7] جارية سوداء كالسّبجة [8] . فقال للسوداء : من أنت ؟ ومن أين أنت يا خالة ؟ فقالت : لقد أطال اللَّه تعبك ، إن كنت تسأل هذا العالم من هم ومن أين هم . قال : فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن . قالت : نحن من أهل العراق ، فأمّا الأصل والمنشأ [9] فمكة ، وقد رجعنا إلى الأصل ورحلنا [10] إلى بلدنا ، فضحك . فلما نظرت إلى سواد ثنيّتيه قالت : قد عرفناك . قال : ومن أنا ؟ قالت : عمر بن أبي ربيعة . قال : وبم عرفتني ؟ قالت : بسواد ثنّيتيك وبهيئتك التي ليست إلَّا لقريش ، فأنشأ يقول : < شعر > قلت من أنتم فصدّت وقالت أمبدّ سؤالك العالمينا < / شعر > وذكر الأبيات : فلما يزل عمر بها حتى تزوّجها وولدت له . خبر صلح الثريا وعمر ووساطة ابن أبي عتيق في ذلك قال : فلما صرمت الثريّا عمر قال فيها :
[1] في ت ، ح ، ر : « نساء أهل زمانها » . [2] المسعد : من تساعد المرأة في النوح على فقيدها من جاراتها أو ذوات قرابتها . [3] الداية : المرضع ، وقد تظل مع الطفلة تربيها حتى تشبّ ؛ قال الفرزدق : < شعر > ربيبة دايات ثلاث رببنها يلقمنها من كل سخن ومبرد < / شعر > [4] أصل معنى الاعتمار الزيارة في موضع عامر . وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة وهي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة . والعمرة تكون في السنة كلها بخلاف الحج فإنه لا يكون إلا في أشهره المعلومة ولا يصح إلا مع الوقوف بعرفة . [5] يحل : يخرج من إحرامه في العمرة . [6] القطوع : جمع قطع وهو الطنفسية يجعلها الراكب تحته وتغطى كتفي البعير . [7] تعادلها : تركب معها في أحد شقي المحمل . [8] السبجة : كساء أسود . [9] في ح ، ر : « والبيت » . [10] في ت : « ودخلنا » .