ويحاكين بها امتطاء الخيل - فيكرّون ويفرّون ويثاقفون [1] ، وأمثال ذلك من اللَّعب المعدّة للولائم والأعراس وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو . وكثر ذلك ببغداد وأمصار العراق ، وانتشر منها إلى غيرها . وكان للموصليين غلام اسمه زرياب أخذ عنهم الغناء فأجاد ، فصرفوه إلى المغرب غيرة منه ، فلحق بالحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس ، فبالغ في تكرمته وركب للقائه وأسنى له الجوائز والإقطاعات والجرايات ، وأحلَّه من دولته وندمائه بمكان ، فأورث بالأندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إلى أزمان الطوائف ، وطما منها بإشبيلية بحر زاخر ، وتناقل منها بعد ذهاب غضارتها [2] إلى بلاد العدوة بإفريقية والمغرب ، وانقسم على أمصارها . وبها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها وتناقص دولها . وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصنائع ؛ لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ والفرح . وهي أيضا أوّل ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه ، واللَّه أعلم « .
وقال أيضا : < شعر > أمسى الفرزدق في جلاجل كرج بعد الأخيطل ضرّة لجرير < / شعر > [1] يثاقفون : يخاصمون ويجالدون ، ومصدره الثقاف والمثاقفة وهي العمل بالسيف ، ومنه : < شعر > وكأن لمع بروقها في الجوّ أسياف المثاقف < / شعر > [2] غضارتها : بهجتها وجدّتها .