مربع كالقانون ، توضع الأوتار على بسائطها مشدودة في رأسها إلى دساتين [1] جائلة ليأتي شدّ الأوتار وإرخاؤها عند الحاجة إليه بإدارتها ، ثم تقرع الأوتار إما بعود آخر أو بوتر مشدود بين طرفي قوس ، يمرّ عليها بعد أن يطلى بالشمع والكندر [2] ، ويقطَّع الصوت فيه بتخفيف اليد في إمراره أو بنقله من وتر إلى وتر . واليد اليسرى مع ذلك في جميع آلات الأوتار توقع بأصابعها على أطراف الأوتار فيما يقرع أو يحكّ بالوتر ، فتحدث الأصوات متناسبة ملذوذة . وقد يكون القرع في الطسوت بالقضبان أو في الأعواد بعضها ببعض على توقيع متناسب يحدث عنه التذاذ بالمسموع . . . . [3] . . . والحسن في المسموع أن تكون الأصوات متناسبة لا متنافرة . وذلك أن الأصوات لها كيفيات من الهمس والجهر والرخاوة والشدّة والقلقلة والضغط وغير ذلك ، والتناسب فيها هو الذي يوجب لها الحسن . فأوّلا : ألا يخرج من الصوت إلى ضدّه دفعة بل بتدريج ثم يرجع كذلك ، وهكذا إلى المثل ، بل لا بدّ من توسط المغاير بين الصوتين . وتأمّل هذا من افتتاح أهل اللسان التراكيب من الحروف المتنافرة أو المتقاربة المخارج فإنه من بابه . وثانيا : تناسبها في الأجزاء ، كما مر أوّل الباب ، فيخرج من الصوت إلى نصفه أو ثلثه أو جزء من كذا منه على حسب ما يكون التنقل مناسبا على ما حصره أهل صناعة الموسيقى . فإذا كانت الأصوات على تناسب في الكيفيات ، كما ذكره أهل تلك الصناعة ، كانت ملائمة ملذوذة . ومن هذا التناسب ما يكون بسيطا ، ويكون الكثير من الناس مطبوعين عليه لا يحتاجون فيه إلى تعليم ولا صناعة ، كما نجد المطبوعين على الموازين الشعرية وتوقيع الرقص وأمثال ذلك . وتسمي العامة هذه القابلية بالمضمار . وكثير من القرّاء بهذه المثابة يقرؤن القرآن فيجيدون في تلاحين أصواتهم ، كأنها المزامير ، فيطربون بحسن مساقهم وتناسب نغماتهم . ومن هذا التناسب ما يحدث بالتركيب ، وليس كل الناس يستوي في معرفته ، ولا كل الطباع توافق صاحبها في العمل به إذا علم . وهذا هو التلحين الذي يتكفل به علم الموسيقى ، كما نشرحه بعد عند ذكر العلوم . . . . وإذ قد ذكرنا معنى الغناء فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توافر وتجاوز حدّ الضروريّ إلى الحاجيّ ثم إلى الكماليّ ، وتفننوا فيه ، فتحدث هذه الصناعة ؛ لأنه لا يستدعيها إلا من فرغ عن جميع حاجاته الضرورية والمهمة من المعاش والمنزل وغيره ، فلا يطلبها إلا الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات . وكان في سلطان العجم قبل الملة منها بحر زاخر في أمصارهم ومدنهم ، وكان ملوكهم يتخذون ذلك ويولعون به ؛ حتى لقد كان لملوك الفرس اهتمام بأهل هذه الصناعة ، ولهم مكان في دولتهم ، وكانوا يحضرون مشاهدهم ومجامعهم ويغنّون فيها . وهذا شأن العجم لهذا العهد في كل أفق من آفاقهم ومملكة من ممالكهم . وأما العرب فكان لهم أوّلا فنّ الشعر يؤلفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في عدّة حروفها
فأعربته حين سمعت به . [1] قال في « المخصص » ج 13 ص 12 : « يقال للتي يسميها الفرس الدساتين العتب . قال الأعشى : < شعر > وثنى الكف على ذي عتب يصل الصوت بذي زير أبحّ « < / شعر > [2] الكندر : اللبان . [3] هذه النقط وضعت إشارة إلى ترك ما لا علاقة له بالغناء وتاريخه في هذا الفصل .