يا ابن أخي ، لشعر عمر بن ربيعة نوطة [1] في القلب ، وعلوق بالنفس ، ودرك للحاجة ليست لشعر ، وما عصي اللَّه جلّ وعزّ بشعر أكثر ممّا عصي بشعر ابن أبي ربيعة ، فخذ عنّي / ما أصف لك : أشعر قريش من دقّ معناه ، ولطف مدخله ، وسهل مخرجه ، ومتن حشوه ، وتعطَّفت حواشيه ، وأنارت معانيه ، وأعرب عن حاجته . فقال المفضّل للحارث : أليس صاحبنا الذي يقول : < شعر > إنّي وما نحروا غداة منّى عند الجمار يؤدها [2] العقل لو بدّلت أعلى مساكنها سفلا وأصبح سفلها يعلو فيكاد يعرفها [3] الخبير بها فيردّه الإقواء والمحل [4] لعرفت مغناها بما احتملت منّي الضلوع لأهلها قبل < / شعر > فقال له ابن أبي عتيق : يابن أخي ، استر على نفسك ، واكتم على صاحبك ، ولا تشاهد المحافل بمثل هذا ، أما تطيّر الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله ! ما بقي إلا أن يسأل اللَّه تبارك وتعالى لها حجارة من سجّيل [5] . ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للربع من صاحبك ، وأجمل مخاطبة حيث يقول : < شعر > سائلا الربع بالبليّ وقولا هجت شوقا لي الغداة طويلا < / شعر > / وذكر الأبيات الماضية . قال : فانصرف الرجل خجلا مذعنا . شيىء من أخبار الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة الملقب بالقباع أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق عن رجاله المسمّين ، وأخبرني به الحرميّ عن الزّبير عن عمّه عن جدّه ، قالوا : / كان الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة أخو عمر بن أبي ربيعة رجلا صالحا ديّنا من سروات قريش ، وأنما لقّب القباع لأن عبد اللَّه بن الزّبير كان ولَّاه البصرة ، فرأى مكيالا . لهم فقال : إنّ مكيالكم هذا لقباع - قال : وهو الشيء الذي له قعر - فلقّب بالقباع . وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عبد اللَّه بن محمد الطائيّ قال حدّثنا خالد بن سعيد قال : استعمل ابن الزّبير الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة على البصرة ، فأتوه بمكيال لهم ، فقال لهم : إنّ مكيالكم هذا لقباع ، فغلب عليه . وقال أبو الأسود الدّؤليّ - وقد عتب عليه - يهجوه ويخاطب ابن الزّبير :
- ص 3257 قوله : < شعر > لأصبحنّ العاصي بن العاصي سبعين ألفا عاقدي النواصي مجنّبين الخيل بالقلاص مستحقبين حلق الدّلاص < / شعر > هكذا بإثبات الياء ، كما روى « لأصبحنّ العاص وابن العاص » بحذفها . [1] النوطة : التعلَّق . وفي ت ، ح ، ر : « لوطة بالقلب » ؛ أي لصوق به . [2] كذا في ت ، ح ، ر . ومعناه يثقلها . وفي سائر النسخ : « يؤدّها » من أدّه الأمر يؤدّه وشده إذا دهاه ، والعقل : الحبس . [3] في ت ، أ ، م ، ء : « ينكرها » . وهي لا تستقيم مع الشطر الثاني . [4] أقوت الدار : أقفرت وخلت من أهلها . والمحسل : الجدب . [5] السجيل : الطين المتحجر ، وهو فارسي معرّب ؛ وأصله سنك أي حجارة وكل أي طين .