معصوماً في كُلّ ما أمر اللّه به ونهى عنه إلاّ رسول اللّه ، ولهذا قال غير واحد من الأئمة : كُلّ أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلاّ رسول اللّه عليه الصلاة والسلام . وهؤلاء الأئمة الأربع رحمهم اللّه تعالى أجمعين قد نهوا الناس عن تقليدهم في كُلّ ما يقولون ، وذلك هو الواجب ، قال الإمام أبو حنيفة : هذا رأيي وهذا أحسن ما رأيت فمن جاء برأي خير منه قبلناه ، لهذا لما اجتمع أفضل أصحابه أبو يوسف بإمام دار الهجرة مالك بن أنس وسأله عن مسألة الصاع وصدقة الخراوات ، ومسألة الأجناس ؟ فأخبر مالك بما دلت عليه السنة في ذلك . فقال أبو يوسف : رجعت لقولك يا أبا عبد اللّه ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت . ومالك رحمه اللّه كان يقول : إنّما أنا بشر أصيب وأُخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة ، أو كلام هذا معناه ، والشافعي رحمه اللّه كان يقول : إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط ، وإذا رأيت الحجة موضوعة على ففريق قولي " . وعندها كانا قد أصبحا وكأن على رأسيهما الطير . . فلقد وفر عليهما هذا الخبر مؤونة السؤال عن مصادر مقالات أئمة المذاهب الأربعة التي أوردتها لهم . . وما أنساهم السؤال عنها إلاّ لجاجتهما واضطرابهما المتأرجح ما بين التسليم صاغرين وما بين العناد معاندين . . بينما خرج عليّ مازن هذه المرة وكأنه يطلق باتجاهي آخر قذيفة تيسر له العثور عليها . . فاطلقها ومن دون أن يعرف اين ستصطدم ، فقال لي : - " وهذا الخبر ، أين قرأته ، هل يمكنك أن تخبرنا ؟ " . فقلت له وبكل هدوء وأناة : - " انه في كتاب جلاء العينين للآلوسي ، ص 107 " .