يسيِّجه ويحرسه ، وبه يتمايز عن غيره . والعاقل حرٌّ في اختياره لأحب المذاهب إلى قلبه ، وأقربها إلى عقله ، طبعاً بالأدلة والبراهين ، ولو من وجهة نظره ، نعم هو مسؤول عن نتائج اختياره هذا . لكن لا يمكن لمن اختار المذهب الأشعري مثلاً أن يدعي فيقول : مع أني أشعري فأنا أقول بالحسن والقبح العقليين ، فهو إما أن يكون أشعريّاً أو يكون قائلاً بالحسن والقبح العقليين ، لعدم إمكان الجمع بينهما ، بداهة كون إنكار هذا الأمر من مقومات المذهب الأشعري . كما لا يمكن للمعتزلي أن يقول : أنا معتزلي بيد أني لا أؤمن بنظرية العدل ، للمفارقة الواضحة في الالتزام بالاعتزال والتخلي عن القول بالعدل . كما لا يمكن للماركسي المعتقد بالمادية أن يدعي أنه يؤمن بوجود اللَّه تعالى . ولا لممارس القمع والإرهاب أن يدعي ممارسة الديمقراطية . وكذلك المذهب الإمامي الإثنا عشري ، فبعد تحقيق المتصدي للاجتهاد ، مبانيه الاعتقادية العالية - المحصنة عن الشكوك ، والممتنعة عن مساورة الأوهام - يلزمه التقيد بها ، وعدم تجاوزها عند استنباط الأحكام الشرعية ، فلا يمكن له رفع اليد أو الاعراض والاستغناء عما هو مسلم في الأبحاث العقيدية . نعم يمكن لهذا المستنبط نبذ التزامه بمسلمات العقيدة ، فيتفلت حينئذٍ منها أثناء عملية الاستنباط ، لكن لن يعود بعدها من جملة الملتزمين بأركان هذا المذهب العقيدية ، ولا من جملة المنتسبين إلى هذا الإطار العام . وعلى هذا فالدعوة إلى فتح باب الاجتهاد ليست جزافاً ، ولا هي مجرد عملية تتقاذفها أمواج الاتجاهات ، وريح الميول يميناً وشمالا ، بل هي إنما تجري ضمن حدود تخطها مجموعة من القوانين والضوابط المحكومة بتحقق