من الموجودية المطلقة ، والمجموع من هذه الأبحاث هو الذي نسميه : ( الفلسفة ) [1] . وقد تبين بما تقدم : أولا : أن الفلسفة أعم العلوم جميعا ، لأن موضوعها أعم الموضوعات ، وهو ( الموجود ) [2] الشامل لكل شئ [3] . فالعلوم جميعا تتوقف عليها في ثبوت موضوعاتها . وأما الفلسفة فلا تتوقف في ثبوت موضوعها على شئ من العلوم ، فإن موضوعها الموجود العام الذي نتصوره تصورا أوليا ونصدق بوجوده كذلك ، لأن الموجودية نفسه . وثانيا : أن موضوعها لما كان أعم الأشياء ولا ثبوت لأمر خارج منه كانت المحمولات المثبتة فيها إما نفس الموضوع ، كقولنا : ( إن كل موجود فإنه - من حيث هو موجود - واحد أو بالفعل ) ، فإن الواحد وإن غاير الموجود مفهوما لكنه عينه مصداقا ، ولو كان غيره كان باطل الذات غير ثابت للموجود ، وكذلك ما بالفعل ، وإما ليست نفس الموضوع ، بل هي أخص منه ، لكنها ليست غيره ، كقولنا : ( إن العلة موجودة ) فإن العلة وإن كانت أخص من الموجود لكن العلية ليست حيثية خارجة من الموجودية العامة ، وإلا لبطلت . وأمثال هذه المسائل مع ما يقابلها تعود إلى قضايا مرددة المحمول ، تساوي
[1] فالفلسفة هي العلم الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود ، ويسمى أيضا ( الفلسفة الأولى ) كما قال الشيخ الرئيس في الفصل الثاني من المقالة الأولى من إلهيات الشفاء : ( وهو الفلسفة الأولى لأنه العلم بأول الأمور في الوجود وهو العلة الأولى وأول الأمور في العموم ) . [2] بخلاف من قال : ( إن موضوعه هو الإله ) ، ومن قال : ( إن موضوعه هو العلل الأربع ) ، راجع شرح عيون الحكمة ج 3 ص 8 - 9 . [3] إن قلت : قد يبحث في الفلسفة عن أحوال المعدوم ولا يعتبر فيها الوجود فكيف يشمله الموجود ؟ قلنا : الموجود أعم من الذهني والخارجي - كما سيأتي - والمعدوم وإن كان معدوما بالحمل الأولي ولكنه موجود بالحمل الشائع الصناعي .