حسب ما له من مرتبة الوجود ، فالواجب لذاته رب للعالم مدبر لأمره بالإيجاد بعد الايجاد ، وليس للعلل المتوسطة إلا أنها مسخرة للتوسط من غير استقلال ، وهو المطلوب ، فمن المحال أن يكون في العالم رب غيره ، لا واحد ولا كثير . على أنه لو فرض كثرة الأرباب المدبرين لأمر العالم - كما يقول به الوثنية [1] - أدى ذلك إلى المحال من جهة أخرى وهي فساد النظام . بيان ذلك : أن الكثرة لا تتحقق إلا بالآحاد ولا آحاد إلا مع تميز البعض من البعض ، ولا يتم تميز إلا باشتمال كل واحد من آحاد الكثرة على جهة ذاتية يفقدها الواحد الآخر ، فيغاير بذلك الآخر ويتمايزان ، كل ذلك بالضرورة ، والسنخية بين الفاعل وفعله تقضي بظهور المغايرة بين الفعلين حسب ما بين الفاعلين ، فلو كان هناك أرباب متفرقون ، سواء اجتمعوا على فعل واحد أو كان لكل جهة من جهات النظام العالمي العام رب مستقل في ربوبيته كرب السماء والأرض ورب الإنسان وغير ذلك ، أدى ذلك إلى فساد النظام والتدافع بين أجزائه ، ووحدة النظام والتلازم
[1] أقول : إن البحث عن انتفاء الشريك يقع في جهات ثلاث : الجهة الأولى : انتفاء الشريك عن الله في الوجوب الذاتي . وهي ما مر في الفصل السابق . الجهة الثانية : انتفاء الشريك عنه في استحقاق العبادة . والوثنية خالفنا في هذه الجهة . وهي خارجة عما يبحث عنه في هذا الفصل . الجهة الثالثة : انتفاء الشريك عنه في الربوبية والمدبرية والخالقية . وهي ما يبحث عنه في هذا الفصل . ولم تكن الوثنية مخالفا لنا في هذه الجهة ، بل المخالف في هذه الجهة هو الثنوية لا الوثنية . قال في شرح المواقف : ( واعلم أنه لا مخالف في هذه المسألة إلا الثنوية دون الوثنية ، فإنهم لا يقولون بوجود إلهين واجبي الوجود ، ولا يصفون الأوثان بصفات الإلهية ، وإن أطلقوا عليها اسم الآلهة ، بل اتخذوها على أنها تماثيل الأنبياء أو الزهاد أو الملائكة أو الكواكب واشتغلوا بتعظيمها على وجه العبادة توصلا بها إلى ما هو إله حقيقة . وأما الثنوية فإنهم قالوا نجد في العالم خيرا كثيرا وشرا كثيرا وأن الواحد لا يكون خيرا شريرا بالضرورة ، فلكل منهما فاعل على حدة ، فالمانوية والديصانية من الثنوية قالوا : فاعل الخير هو النور وفاعل الشر هو الظلمة . . . والمجوس منهم ذهبوا إلى أن فاعل الخير هو يزدان وفاعل الشر هو اهرمن ، ويعنون به الشيطان ) راجع شرح المواقف ص 479 . ومن هنا يظهر خطأ المصنف رحمه الله هاهنا حيث نسب القول بكثرة الأرباب إلى الوثنية .