تنبيه : السوفسطي - وهو المنكر لوجود العلم مطلقا - لا يسلم قضية أولى الأوائل [1] ، إذ لو سلمها كان ذلك اعترافا منه بأن كل قضيتين متناقضتين فإن إحداهما حقة صادقة ، وفيه اعتراف بوجود علم ما . ثم إن السوفسطي بما يظهر من الشك في كل عقد ، إما أن يعترف بأنه يعلم أنه شاك ، وإما أن لا يعترف . فإن اعترف بعلمه بشكه فقد اعترف بعلم ما ، فيضاف إليه تسليمه لقضية أولى الأوائل ، ويتبعه العلم بأن كل قضيتين متناقضتين فإن إحداهما حقة صادقة ، وتعقب ذلك علوم أخرى . وإن لم يعترف بعلمه بشكه ، بل أظهر أنه شاك في كل شئ وشاك في شكه ليس يجزم بشئ ، لغت محاجته ولم ينجح فيه برهان ، وهذا الإنسان إما مصاب بآفة اختل بها إدراكه فليراجع الطبيب ، وإما معاند للحق يظهر ما يظهر ليدحض به الحق فيتخلص من لوازمه ، فليضرب وليعذب وليمنع مما يحبه وليجبر على ما يبغضه ، إذ كل شئ ونقيضه عنده سواء . نعم ، بعض هؤلاء المظهرين للشك ممن راجع العلوم العقلية وهو غير مسلح بالأصول المنطقية ولا متدرب في صناعة البرهان ، فشاهد اختلاف الباحثين في المسائل بالإثبات والنفي ورأى الحجج التي أقاموها على طرفي النقيض ولم يقدر لقلة بضاعته على تمييز الحق من الباطل فتسلم طريق النقيض في المسألة ببعد المسألة ، فأساء الظن بالمنطق ، وزعم أن لا طريق إلى إصابة الواقع يؤمن معه الخطأ في الفكر ولا سبيل إلى العلم بشئ على ما هو عليه ، وهذا - كما ترى - قضاء بتي منه بأمور كثيرة ، كتباين أفكار الباحثين وحججهم من غير أن يترجح بعضها على بعض ، واستلزام ذلك قصور الحجة مطلقا عن إصابة الواقع ، فعسى أن يرجع بالتنبيه عن مزعمته ، فليعالج بإيضاح القوانين المنطقية وإرائة قضايا بديهية لا تقبل
[1] وللسوفسطيين شبهات تعرض لها وللإجابة عليها الشيخ الرئيس في الفصل الثامن من المقالة الأولى من إلهيات الشفاء . وتبعه على ذلك غيره من المتأخرين . وأشار إليها وإلى دفعها المصنف رحمه الله هاهنا .