بيان ذلك : أن كل ماهية من الماهيات بل كل مفهوم من المفاهيم منعزل بذاته عن غيره من أي مفهوم مفروض ، وليس ذلك من التضاد في شئ وإن كان يصدق عليه سلب غيره ، وكذا كل نوع تام بوجوده الخارجي وآثاره الخارجية مباين لغيره من الأنواع التامة بما له ولآثاره من الوجود الخارجي ، لا يتصادقان - بمعنى أن يطرد الوجود الخاص به الطارد لعدمه عدم نوع آخر بعينه - فليس ذلك من التقابل والتضاد في شئ . وإنما التضاد - وهو التقابل بين أمرين وجوديين - أن يكون كل من الأمرين طاردا بماهيته الأمر الآخر ، ناظرا إليه ، آبيا للاجتماع معه وجودا . ولازم ذلك أولا : أن يكون هناك أمر ثالث يوجدان له ويتحدان به ، والأمر الذي يوجد له الأمر الوجودي ويتحد به ، هو مطلق الموضوع الأعم من محل الجوهر وموضوع العرض ، لكن الجواهر لا يقع فيها تضاد - كما سيجئ [1] - ، فالمتعين أن يكونا عرضين ذوي موضوع واحد . وثانيا : أن يكون النوعان بما أن لكل منهما نظرا إلى الآخر متطاردين كل منهما يطرد الآخر بفصله الذي هو تمام نوعيته . والفصل لا يطرد الفصل إلا إذا كانا جميعا مقسمين لجنس واحد ، أي أن يكون النوعان داخلين تحت جنس واحد قريب ، فافهم ذلك . ولا يرد عليه [2] : أن الفصل ، لكونه جزء الماهية ، غير مستقل في الحكم ، والحكم للنوع . لأن الفصل عين النوع محصلا ، فحكمه حكم النوع بعينه [3] ، على أن الأجناس العالية من المقولات العشر لا يقع بينها تضاد ، لأن الأكثر من واحد منها يجتمع في محل واحد ، كالكم والكيف وسائر الأعراض تجتمع في جوهر واحد جسماني ، وكذا بعض الأجناس المتوسطة الواقعة تحت بعضها مع بعض واقع تحت آخر ، وكذا الأنواع الأخيرة المندرجة تحت بعضها مع بعض الأنواع الأخيرة
[1] في السطور الآتية من هذا الفصل . [2] هذا الايراد تعرض له في الأسفار ج 2 ص 115 . [3] كذا أجاب عنه صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 116 .