وأما شئ من المفاهيم المنتزعة من الوجود ، فالذي للواجب بالذات منها أعلى المراتب غير المتناهي شدة الذي لا يخالطه نقص ولا عدم ، والذي لغيره بعض مراتب الحقيقة المشككة غير الخالي من نقص وتركيب ، فلا مشاركة . وأما حمل بعض المفاهيم على الواجب بالذات وغيره - كالوجود المحمول باشتراكه المعنوي عليه وعلى غيره ، مع الغض عن خصوصية المصداق ، وكذا سائر صفات الواجب بمفاهيمها فحسب ، كالعلم والحياة والرحمة ، مع الغض عن الخصوصيات الإمكانية - فليس من الاشتراك المبحوث عنه في شئ . الفصل الثامن في صفات الواجب بالذات على وجه كلي وانقسامها [1] قد تقدم [2] أن الوجود الواجبي لا يسلب عنه كمال وجودي قط ، فما في الوجود من كمال - كالعلم والقدرة - فالوجود الواجبي واجد له بنحو أعلى وأشرف ، وهو محمول عليه على ما يليق بساحة عزته وكبريائه ، وهذا هو المراد بالاتصاف . ثم إن الصفة تنقسم انقساما أوليا إلى ثبوتية تفيد معنى إيجابيا كالعلم والقدرة ، وسلبية تفيد معنى سلبيا ، ولا يكون إلا سلب سلب الكمال ، فيرجع إلى إيجاب الكمال ، لأن نفي النفي إثبات ، كقولنا : ( من ليس بجاهل ) و ( من ليس بعاجز ) الراجعين إلى العالم والقادر . وأما سلب الكمال فقد اتضح في المباحث السابقة [3] أن لا سبيل لسلب شئ من الكمال إليه ( تعالى ) . فالصفات السلبية راجعة بالحقيقة إلى الصفات الثبوتية . والصفات الثبوتية تنقسم إلى حقيقية كالحي ، وإضافية كالعالمية والقادرية . والحقيقية تنقسم إلى حقيقية محضة كالحي ، وحقيقية ذات إضافة كالخالق والرازق .
[1] وإن شئت تفصيل أقسام صفات الواجب بالذات فراجع الأسفار ج 6 ص 118 - 125 ، وشرح المنظومة ص 157 . [2] راجع الفصل الرابع من هذه المرحلة . [3] راجع الفصل الرابع من هذه المرحلة .