فإن قيل : تغير العلم - كما اعترفتم به في القسم الثاني - دليل كونه ماديا ، فإن التغير - وهو الانتقال من حال إلى حال - لازمه القوة ، ولازمها المادة ، وقد قلتم : ( إن العلم بجميع أقسامه مجرد ) . قلنا [1] : العلم بالتغير غير تغير العلم ، والتغير ثابت في تغيره لا متغير ، وتعلق العلم بالمتغير - أي حضوره عند العالم - أنما هو من حيث ثباته ، لا تغيره ، وإلا لم يكن حاضرا فلم يكن حضور شئ لشئ ، وهذا خلف . تنبيه : يمكن أن يعمم التقسيم بحيث يشمل العلم الحضوري ، فالعلم الكلي كعلم العلة بمعلولها من ذاتها الواجدة في ذاتها كمال المعلول بنحو أعلى وأشرف ، فإنه لا يتغير بزوال المعلول لو جاز عليه الزوال ، والعلم الجزئي كعلم العلة بمعلولها الداثر الذي هو عين المعلول ، فإنه يزول بزوال المعلول . الفصل الخامس في أنواع التعقل ذكروا أن العقل على ثلاثة أنواع [2] : أحدها : أن يكون عقلا بالقوة ، أي لا يكون شيئا من المعقولات بالفعل ولا له شئ من المعقولات بالفعل ، لخلوه عن عامة المعقولات . الثاني : أن يعقل معقولا واحدا أو معقولات كثيرة بالفعل ، مميزا بعضها من بعض ، مرتبا لها ، وهو العقل التفصيلي . الثالث : أن يعقل معقولات كثيرة عقلا بالفعل من غير أن يتميز بعضها من
[1] ولمزيد التوضيح راجع تعليقة المصنف رحمه الله على الأسفار ج 3 ص 408 . [2] راجع الفصل السادس من المقالة الخامسة من الفن السادس من طبيعيات الشفاء ، والتحصيل ص 812 - 814 . وتعرض لها أيضا الفخر الرازي ثم ناقش في القسم الأخير ، راجع المباحث المشرقية ج 1 ص 335 - 337 .