الفصل الرابع في ماهية الجسم لا ريب في وجود الجسم بمعنى الجوهر الذي يمكن أن يفرض فيه ثلاثة خطوط متقاطعة على زوايا قوائم ، وإن لم تكن موجودة فيه بالفعل كما في الكرة والأسطوانة . فحواسنا التي تنتهي إليها علومنا وإن لم يكن فيها ما ينال الموجود الجوهري وإنما تدرك أحوال الأجسام وأوصافها العرضية ، لكن أنواع التجربات تهدينا هداية قاطعة إلى أن ما بين السطوح والنهايات من الأجسام مملوءة في الجملة غير خالية عن جوهر ذي امتداد في جهاته الثلاث . والذي يجده الحس من هذا الجوهر الممتد في جهاته الثلاث يجده متصلا واحدا يقبل القسمة إلى أجزاء بالفعل ، لا مجموعا من أجزاء بالفعل ذوات فواصل . هذا بحسب الحس ، وأما بحسب الحقيقة فاختلفوا فيه على أقوال [1] . أحدها : أنه مركب من أجزاء ذوات أوضاع لا تتجزى ولا تنقسم أصلا لا خارجا ولا وهما ولا عقلا ، وهي متناهية ، وهو مذهب جمهور المتكلمين [2] . الثاني : أنه مركب كما في القول الأول ، غير أن الأجزاء غير متناهية ، ونسب إلى النظام [3] .
[1] وذكر الحكيم السبزواري وجها تضبط به الأقوال في ماهية الجسم ، فراجع شرح المنظومة ص 208 - 209 . [2] ومنهم أبو الهذيل العلاف والجبائي ومعمر بن عباد وهشام الفوطي على ما في مقالات الإسلاميين ج 2 ص 13 - 14 ، ومذاهب الإسلاميين ج 1 ص 182 . ونسب إلى جمهور المتكلمين في شرح حكمة العين ص 215 ، وإيضاح المقاصد ص 24 ، والمباحث المشرقية ج 2 ص 8 ، والأسفار ج 5 ص 16 ، والأربعين ج 2 ص 3 ، وشرح المنظومة ص 209 . وذهب إليه أيضا ابن ميثم البحراني في قواعد المرام ص 51 - 56 . [3] نسب إليه في مقالات الإسلاميين ج 2 ص 16 ، والتبصير في الدين ص 71 ، ومذاهب الإسلاميين ج 1 ص 223 ، والانتصار ص 33 ، وشرح المنظومة ص 209 . ونسب إليه وإلى القدماء من متكلمي المعتزلة في شرح حكمة العين ص 215 . وقال العلامة في إيضاح المقاصد ص 249 : ( هو مذهب المتكلمين ومذهب جماعة من الأوائل ) . وقال الرازي في المباحث المشرقية ج 2 ص 9 : ( فهو مذهب النظام ومن الأوائل انكسافراطيس ) .