نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 689
وأمّا حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل ، وإنّما كان عن اختبار ، حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربّه ، وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم ، فيستدلّ بجوابه على صدق دعواه ، وسأل سؤال إيهام من أجل الحاضرين ، حتى يعرّفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر ، أظهر فرعون - إبقاء لمنصبه - : أنّ موسى ما أجابه على سؤاله ، فتبيّن عند الحاضرين - لقصور فهمهم - أنّ فرعون أعلم من موسى ، ولهذا لمّا قال له في الجواب [ ما ينبغي ] - وهو في الظاهر غير جواب على ما سئل عنه وقد علم فرعون أنّه لا يجيبه إلَّا بذلك - فقال لأصحابه : * ( إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ) * [1] أي مستور عنه علم ما سألته عنه ، إذ لا يتصوّر أن يعلم أصلا ، فالسؤال صحيح ، فإنّ السؤال عن الماهية ، سؤال عن حقيقة المطلوب ، ولا بدّ أن يكون على حقيقة في نفسه [ لا يكون لغيره ، فالسؤال صحيح ] [2] وأمّا الذين جعلوا الحدود مركَّبة عن جنس وفصل ، فذلك في كل ما يقع فيه الاشتراك ، ومن لا جنس له لا يلزم أن لا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون لغيره ، فالسؤال صحيح على مذهب أهل الحق والعلم الصحيح والعقل السليم » . يشير - رضي الله عنه - إلى فساد ما تقرّر في نفوس الجمهور أنّ سؤال فرعون بقوله : * ( وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ) * [3] غير صحيح ، لأنّه سؤال عن الماهية [ وهي ] - على ما زعموا - مركَّبة عن جنس وفصل فالسؤال غير صحيح وليس كما زعموا فإنّ الماهية مركَّبة عن جنس وفصل فيما من شأنه أن يدخل تحت الجنس والفصل ، والموجود الذي لا يدخل تحت جنس وفصل لا يلزم أن لا يكون له حقيقة غير داخلة تحت الجنس ، والفصل ، ويسأل عن ماهيته وحقيقته ، فإنّ السؤال عن الماهية هو السؤال عن الحقيقة ، ولا شكّ أنّ ربّ العالمين له حقيقة في نفسه ، وإلَّا لزم أن لا يكون له حقيقة وهو باطل بالضرورة ، فله حقيقة في نفسه ، ولكن لا تعلم ولا تعرف ، فلا يعرّف ، ونفس عدم دخوله تحت
[1] الشعراء ( 26 ) الآية 27 . [2] ما بين المعقوفين غير موجود في بعض النسخ . [3] الشعراء ( 26 ) الآية 23 .
689
نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 689