نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 600
مدّة الابتلاء ، فلمّا بلغ الابتلاء غايته ، وتناهي الضرّ نهايته ، ولم ينقص أيّوب عليه السّلام من أذكاره وشكوره وحضوره ، ولم يظهر الشكوى والجزع ، فتمّت حجّة الله على اللعين ، وعلى غيره من الشياطين ، فتجلَّى من غيبه ربّه تجلَّيا غيبيّا فذكر لربّه ما أظهر الشيطان في حاله أمرا فريّا ، ممّا لم يكن به حريّا ، فأزال الله عنه الآلام والأسقام ، وكشف ما به من ضرّ ، ووهبه أهله ومثلهم معهم ، رحمة أظهرها له من غيب الأمر ، وأظهر له أيضا عن غيب الأرض مغتسلا باردا وشرابا ، عرّفه في ذلك حقيقة السرّ ، فبهذه العجائب الغيبية أسندت هذه الحكمة إلى هذه الكلمة . قال - رضي الله عنه - : « اعلم : أنّ سرّ الحياة سرى في الماء ، فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل الله من الماء كلّ شيء حيّ ، وما ثمّ شيء إلَّا وهو حيّ ، فإنّه ما ثمّ شيء إلَّا وهو يسبّح بحمده » أي بحمد الله « ولكن لا نفقة تسبيحه إلَّا بكشف إلهي ، ولا يسبّح إلَّا حيّ ، وكلّ شيء الماء أصله حيّ » [1] . قال العبد : الاختلاف المذكور بين حكماء الرسوم في وجود الأركان والعناصر قد عرف في كتبهم وهو مشهور . ومن حيث النظر العقلي الصحيح لا يترجّح أحد أقوالهم على الآخر إلَّا بالإقناعيات ، فظاهر النظر العقلي ومقتضى التحقيق الكشفي الإلهي أنّ الاثنين من الأربعة في أصل الطبيعة أصلان ، والآخران منفعلان عنهما ، فالأصلان هما الحرارة والبرودة ، وانفعلت عنهما اليبوسة والرطوبة ، كما أنّ الاسم « الظاهر » والاسم « الباطن » أصلان في الأسماء الذاتية ، وانفعل عنهما الفعل والانفعال ، فصار كلّ من الأصلين فاعلا في الآخر منفعلا عنه ، فإنّ الظاهر مجلى الباطن ، وانفعل عنهما الأوّل والآخر ، وكذلك الأسماء الإلهية ، فإنّ الحياة والعلم أصلان ، والإرادة والقدرة تابعتان لهما ، كما علمت ، وهذا في الأصول والطبيعة ، وعلى هذا يجب أن يتكوّن النار من الحرارة واليبوسة ، ويتكوّن الماء من البرودة والرطوبة ، والأرض من اليبوسة والبرودة ، والهواء من الحرارة والرطوبة ، هذا رأيي .
[1] في بعض النسخ : فكلّ شيء حيّ ، فكلّ شيء الماء أصله .
600
نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 600