نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 558
قال - رضي الله عنه - : « فإذا رأيت الخلق رأيت الأوّل والآخر والظاهر والباطن ، وهذه معرفة لا يغيب عنها سليمان عليه السّلام بل هي من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده » . يعني الظهور به في عالم الشهادة [ يشير ] إلى أنّ سليمان كان عارفا بأنّ الله هو العامل بسليمان وغيره ما يصدر عنه من الأعمال والتصرّفات والتسخيرات ، ولو لم يشهد أنّ الله عينه وجميع قواه وجوارحه ، لما يأتي له هذا السلطان والحكم الكلَّي والأمر الفعلي . قال - رضي الله عنه - : « فقد أوتي محمّد صلى الله عليه وسلَّم ما أوتي سليمان عليه السّلام وما ظهر به ، فمكَّنه الله - تعالى - تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليفتك به ، فهم بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد ، حتى يصبح ، فيلعب به ولدان المدينة ، فذكر دعوة سليمان عليه السّلام فردّه الله خاسئا ، فلم يظهر عليه السّلام بما أقدره الله عليه ، فظهر بذلك سليمان . ثم قوله : « مُلْكاً » فلم يعمّ ، فعلمنا أنّه يريد ملكا ما ، ورأيناه قد شورك في كل جزء من الملك الذي أعطاه الله ، فعلمنا أنّه ما اختصّ إلَّا بالمجموع من ذلك ، وبحديث العفريت أنّه ما اختصّ إلَّا بالظهور ، وقد يختصّ بالمجموع والظهور ، ولو لم يقل صلى الله عليه وسلم في حديث العفريت : « فأمكنني الله منه » لقلنا : إنّه لمّا همّ بأخذه ، ذكَّره الله دعوة سليمان عليه السّلام فعلم أنّه لا يقدره الله على أخذه ، فردّه الله خاسئا ، فلمّا قال : « فأمكنني الله منه » علمنا أنّه قد وهبه الله التصرّف فيه ، ثم إنّ الله ذكَّره فتذكَّر دعوة سليمان عليه السّلام فتأدّب معه ، فعلمنا من هذا أنّ الذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظهور بذلك في العموم » . قال العبد : كل هذا مشروح لا مزيد عليه . ثمّ قال - رضي الله عنه : « وليس غرضنا من هذه المسألة إلَّا الكلام والتنبيه على الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان عليه السّلام في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب « الرحمن » « الرحيم » فقيّد رحمة الوجوب وأطلق رحمة الامتنان في قوله : * ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) * [1] حتى الأسماء الإلهية ، أعني حقائق النسب » .