نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 273
وكذلك ليس في أحد من غيره شيء ، إذ صور المواهب من خصوص استعداده ، وحقيقتها الفيض الوجودي وهو عينه لا غيره في الحقيقة ، فافهم ، فما آتاه الله ما آتاه إلَّا منه . قال - رضي الله عنه - : « وما كلّ أحد يعرف هذا ، وأنّ الأمر على ذلك ، إلَّا آحاد من أهل الله ، فإذا رأيت من يعرف ذلك ، فاعتمد عليه ، فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصّة الخاصّة من عموم أهل الله تعالى » . قال العبد : لا يعرف هذا السرّ الخفيّ إلَّا الأفراد الكمّل ، وهم على طبقات والكلّ يرون النعم والمواهب من الله ، لسريان سرّ * ( وَما بِكُمْ من نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ) * [1] . وهذا المشهد الذي ذكرنا في ظاهر المفهوم يوهم خلاف هذا ، وليس ذلك كذلك ، لأنّ هؤلاء الطبقات : منهم : من يرى النعم كلَّها من الله ولكن بالأسباب التي هي غير الله . ومنهم : من لا يرى الأثر للأسباب والوسائط ، وهي سوى الحقّ كذلك في زعمهم . ومنهم : من يراها شروطا لا أسبابا ولا عللا ولا وسائط . ومنهم : من يرى النعم من الله بلا واسطة . ومنهم : من يرى الوسائط والأسباب أيضا من نعم الله . وجميع هؤلاء الأصناف محجوبون في عين الكشف ، ومشركون في عين التوحيد ، لأنّهم وإن وجدوا الله - تعالى - في رؤية النعم كلَّها من الله ، ولكنّهم أثبتوا الوسائط والنعم والمنعم عليه والمنعم أغيارا بعضها للبعض ، والحقيقة تأبى إلَّا أن يكون هو الله الواحد الأحد الظاهر الباطن الواحد الكثير . فالمسمّى واحدا هو الوجود الواحد الحق الذي به تحقّق الحقائق من حيث حقيقته ، وهو المسمّى كثيرا أيضا من حيث تعيّناته في القوابل ، والمنعم هو المفيض لذلك الواحد الكثير ، والمنعم عليه هو المعيّن القابل لتعيّنات أخر بعد الوجود . فالظاهرية والباطنية والأصالة والفرعية نسب ، فإذا وجد من يرى النعم الواصلة إليه في عرصة الوجود العيني من مدرجة عينه الثابتة ، في الحق أزلا وأبدا من حيث إنّ تلك العين الثابتة عين الحق ، فقد جمع بين رؤية النعم كلَّها من الله