إلى مقامى قربات الفرائض والنوافل ، فإن الأصل هو الحق الواجب ، فهو الفرض ، والخلق : هو النفل الزائد ، فإذا كان الحق ظاهرا كان الخلق متخللا محمولا فيه خفيا ، وكان جميع أسماء الحق وصفاته ، كسمعه وبصره وسائر قواه وجوارحه ، كما قال عليه الصلاة والسلام « إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده وقال هذه يد الله وأشار إلى يده » وقال تعالى - * ( ولكِنَّ الله رَمى ) * - واليد يد محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد نفى عنه الرمي حيث قال - * ( وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ) * - وذلك قرب الفرائض ، وإن كان الخلق ظاهرا كان الحق متخللا محمولا فيه مستورا ، فكان سمع العبد وبصره وجميع جوارحه وقواه كما جاء في الحديث وذلك قرب النفل ، وكلا الأمرين جائز في إبراهيم كما ذكر ( ثم إن الذات لو تعرت عن هذه النسب لم يكن إلها ، وهذه النسب أحدثتها أعياننا فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها فلا يعرف حتى نعرف ، قال عليه الصلاة والسلام « من عرف نفسه فقد عرف ربه » وهو أعلم الخلق باللَّه ) يعنى إن الذات الإلهية لا تثبت لها الصفات والنسب الأسمائية إلا بثبوت الأعيان ، فإن الصفات نسب والنسب لا تثبت بدون المنتسبين ، فالإلهية لا تثبت إلا بالمألوهية ، والربوبية بالمربوبية ، وكذا الخالقية والرازقية وأمثالها ، ولا يعرف أحد المتضايفين إلا بالآخر ، ولذلك علق عليه الصلاة والسلام معرفة الرب بمعرفة المربوب . ( فإن بعض الحكماء وأبا حامد ادعوا أنه يعرف الله من غير نظر في العالم وهذا غلط ، نعم تعرف ذات قديمة أزلية لا تعرف أنها إله حتى يعرف المألوه ، فهو الدليل عليه ) أبو حامد هو الغزالي رحمه الله ، والمراد أن الذات الموصوفة بصفة الألوهية لا تعرف إلا بالمألوهية كما مر ، بل العقل يعرف من نفس الوجود وجود الواجب وهو ذات قديمة أزلية ، فإن الله بالذات غنى عن العالمين لا بالأسماء ، فالمألوه هو الدليل على الإله ( ثم بعد هذا في ثانى حال يعطيك الكشف ، وأن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيته ،