العبد بصفة الحق وحصره جميع صفاته ليس تخللا بمعنى الامتزاج ، بل هو محو صفات العبد بتجلى الصفات الإلهية له ، وقيامه محق صفاته حتى يكون العبد مسمى بأسماء الله تعالى كما ذكر في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهي الكلمات التي ابتلاه الله بهن فأتمهن ، فقال له - * ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) * - فمعنى الخلة بالحقيقة ، ظهوره بصورة الحق فيكون الحق سمعه وبصره وسائر قواه ، فبه يسمع العبد وبه يبصر وتسمى هذه المحبة حب النوافل ، لكون الصفات الزائدة على ذات العبد ، ففناؤه في الحق بها حب النوافل أي الزوائد كأنه تخلل حضرات الأسماء الإلهية فتقرب به بصفات نفسه ، فكساه الله تعالى صفاته أو بالعكس لقوله ( أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم ) وهو اتصاف الحق بصفات إبراهيم وصورته ، بأن يتعين بتعينه فيضاف إليه جميع ما يضاف إلى إبراهيم من الصفات ، فيفعل الله تعالى ما يفعل بإبراهيم ويسمع بسمعه ويرى بعينه وهو حب الفرائض ، إذ لا يوجد إبراهيم إلا به ضرورة انعدامه بنفسه ( وكل حكم يصح من ذلك كما ذكر ، فإن لكل حكم موطنا يظهر به لا يتعداه ) أي إنما يصح الحكم الأول وهو ظهور إبراهيم بصورة الحق ، في جناب الحق ومواطن قربه في الحضرة الإلهية وفي الدار الآخرة . والحكم الثاني وهو ظهور الحق بصورة إبراهيم من حيث تعينه في وجوده ، حتى تصدر عنه الصفات الخلقية وتنضاف إليه صفات النقص ، كالتأذى في قوله - * ( يُؤْذُونَ الله ) * - والمكر في قوله - * ( ومَكَرَ الله ) * - والاستهزاء في قوله - * ( الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) * والسخرية في قوله - * ( سَخِرَ الله مِنْهُمْ ) * - بسبب تعينه بعين العبد لا من حيث حقيقته ، وقد يضاف إليه صفات الكمال فكلا الحكمين في مواطن الحب ، كالرمى في قوله - * ( وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ) * - فإن هذا لا يضاف إليه ، والحكم به عليه قد يصح في موطن حب الفرائض والنوافل جميعا ، فقوله ( ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات ، وأخبر بذلك عن نفسه ، وبصفات النقص وبصفات الذم ) استشهاد ومثال للقسم الثاني ، وقوله ( ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها ) استشهاد ومثال للحكم الأول ، كاتصاف العبد بالعلم والرحمة والكرم وأمثالها ( وكلها حق له كما هي صفات المحدثات حق للحق ) أي وجميع صفات الحق تعالى حق واجب ثابت للمخلوق ، لأن حقيقة المخلوق هو الحق الظاهر بحقيقته في صورة عينه وصفاته صفاته فهي حق للمخلوق من حيث الحقيقة ، وكذلك جميع صفات المحدثات حق واجب ثابت للحق تعالى فإنها شئونه ، وإذا كان وجود المحدثات وجوده الظاهر فيها فكيف بصفاتها ، وصفات المحدثات بدل من الضمير أو بيان ، فإنه يجرى مجرى التفسير كأنه قال كما هي ، أي صفات المحدثات حق للحق .