وهو أعلى بذاته مطلقا لا بالنسبة إلى غيره ، فإن كل علو ليس إلا له وكل ما ينسب إليه علوه ، فبقدر ما يتجلى فيه باسمه العلى ينسب إليه فلا شريك له في أصل العلو ، فلا علوية إضافة له وكل ما علا فباسمه علا ( ومن أعجب الأمور كون الإنسان أعلى الموجودات ، أعنى الإنسان الكامل ، وما نسب إليه العلو إلا بالتبعية ، إما إلى المكان وإما إلى المكانة وهي المنزلة ، فما كان علوه لذاته فهو العلى بعلو المكان وبعلو المكانة فالعلو لهما ) بيان أن العلو ليس إلا له فإن الإنسان الكامل أعلى الموجودات وما نسب إليه العلو إلا بتبعية المكان والمكانة فعلوه بسبب علوهما ، وإذا لم يكن لا على الموجودات علو ذاتى فكيف لغيره فعلم أن العلو الذي وصف به المكان والمكانة في قوله * ( مَكاناً عَلِيًّا ) * وفي كونهم أعلين بسبب معية الله ليس لهما بالذات فلا علو لمقيد أصلا إلا بالحق الذي له مطلق العلو الذاتي ومن ثم قال ( فعلو المكان - ك * ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) * - وهو أعلى الأماكن ، وعلو المكانة - * ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه ) * - وإليه يرجع الأمر كله - * ( أَإِله مَعَ الله ) * - ) يعنى أن أعلى الأماكن علوه المكاني ، إنما كان بتجلى اسمه الرحمن له وهو معنى استوائه عليه ، وأما اختصاص علو المكانة به ففي قوله - * ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه ) * - أي حقيقته التي بها وجد ما وجد وهو الوجود الحق المطلق ، فكل شيء في حد ذاته فان وهو الباقي بذاته والكل يرجع إليه بالفناء فيه ، وليس معه شيء فلا وجود لغيره فلا علو فلا وجه إلا واحد متعال بذاته ، ثم إنه نفى العلو عن كل متعين بخصوصه فقال ( ولما قال تعالى - * ( ورَفَعْناه مَكاناً عَلِيًّا ) * - فجعل عليا نعتا للمكان - * ( وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ) * - فهذا علو المكانة ، وقال في الملائكة - * ( أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ ) * - فجعل العلو للملائكة فلو كان لكونهم ملائكة لدخل الملائكة كلهم في هذا العلو ، فلما لم يعم مع اشتراكهم