قوله ( - * ( ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً ) * - لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية - * ( أَدْعُوا إِلَى الله ) * - فهذا عين المكر - * ( عَلى بَصِيرَةٍ ) * - ) معناه أن الدعوة إلى الله دعوة منه إليه لأن الله عين المدعو والداعي والبداية والغاية لكونه عين كل شيء فهو مكر بالمدعو لأن المدعو مع الله فكيف يدعى إلى الله فقابلوا مكر الداعي بمكر أعظم من مكره فقالوا - * ( ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً ) * - فإنهم إذا تركوهم ، فقد تركوا الحق وجهلوه بقدر ما تركوا من هؤلاء ، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله ، فهم مقرون بما يدعو الداعي إليه ، وفي صورة الإنكار مجيبون دعوته في صورة الرد من حيث لا يشعرون ، فإن الدعوة فرقان وهم في القرآن ، فكأنهم مع كفرهم يقولون قد أتينا الله ونحن معه فإن المدعو معه عين المدعو إليه في شهود المكاشف وغيره في اعتقاد غير المكاشف ، فعندهم أنه لو أجابوه ظاهرا لتركوا الحق إلى الباطل فلذلك كان مكرهم أكبر من مكره ، فقوله ادعوا إلى الله عين المكر على بصيرة أي على علم بأن الدعوة منه إليه ( فنبه عليه السلام أن الأمر له كله ) وأنه يدعو بأمر الله والمدعو يجيبه بالفعل وأنه مطيع بما أمر به واقف مع ما خلق له وأريد منه تحت حكم قاهر وسلطنة أمر باهر وهو معنى قوله ( فأجابوه مكرا كما دعاهم ) على ما ذكر آنفا لكنه يعلم أن صلاح المستعدين المجيبين في قبول الدعوة من حيث أنهم وقعوا في غاية التفرقة والحجاب وتعمقوا في أقاصى عالم الإمكان فلو أجابوا لخرجوا من التفرقة إلى الجمع ، وخلصوا من مهاوي الإمكان إلى ذرى الجمع ، وبلغوا كمالهم الجمعى الذي منه يبدأ الأمر وإليه عاد ، ولهذا قال ( فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته ) لأن الهوية الأحدية مع الكل سواء ( وإنما هي من حيث أسماؤه ) فيدعون من الاسم الخافض إلى الرافع ومن اسم المنتقم إلى الرحيم ومن اسم المضل إلى الهادي ( فقال تعالى - * ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ) * - فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم ) ليعلم أن الرحمن اسم شامل لجميع الأسماء فيكون العالم تحت إحاطته ، إذ لا فرق بينه وبين اسم الله ، كما قال - * ( قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه الأَسْماءُ الْحُسْنى ) * وكل طائفة من أهل العالم تحت ربوبية اسم من أسمائه ومن كان تحت ربوبية اسم كان عبدا لذلك الاسم ، فيدعوهم رسول الله من تفرقة تلك الأسماء إلى حضرة جمع اسم الرحمن أو اسم الله وهي الدعوة على بصيرة ، لأنه تحصين من رق الآلهة المتشاكسة إلى عبودية الإله الواحد ، كما قال تعالى - * ( ضَرَبَ الله مَثَلًا رَجُلًا فِيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ ) * - واسم الرحمن يحكم على عباده بأن يكونوا متقين ويوجب عليهم التقوى ، وهو على معنى قوله