الفائض على بعض الأعيان لم يكن لها قابلية نور الوجود إلا نسبا عدمية أو أعداما نسبية ، كالجهد والفقر والمرض والألم والموت وأمثالها سميت غضبا ، وذلك لكمال سعة الرحمة وعمومها كل شيء ، وسعت هذه الأعدام النسبية أو النسب العدمية لشائبة الوجود فيها ، فصار الغضب مرحوما وإلا لم يوجد . ( ولما كان لكل عين وجود يطلبه من الله لذلك عمت رحمته كل عين ، فإنه برحمته التي رحمه بها قبل رغبته في وجود عينه فأوجدها ، فلذلك قلنا إن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما ) لذلك إشارة إلى الطلب ، وعمت جواب لما ، وقوله فإنه تعليل لعموم الرحمة ، وقوله قبل رغبته : خبر إن ، أي فإن الله برحمته التي رحم الشيء بها سابق رغبته في وجود عينه أي طلبه ، فأوجدها أي الرغبة أولا وهي الاستعداد فلذلك أي فلسبق الرحمة الاستعداد ، قلنا وسعت رحمته كل شيء وجودا وحكما ، حيث جعله برحمته الذاتية فطلبت مشيئته الوجود فأوجده ، أي ولما كانت الأعيان الثابتة في ثبوتها العلمي معدومة العين في نفسها ، طالبة للوجود من الله راغبة في وجودها العيني ، عمت رحمته الذاتية كل عين بأن أعطتها قابلية التجلي الوجودي ، فتلك القابلية والاستعداد الذاتي لقبول الوجود رغبتها في الوجود العيني ، وأول أثر الرحمة الذاتية فيها تلك الصلاحية لقبول الوجود المسماة استعدادا ، فإنه تعالى رحمها قبل استعدادها للوجود بوجود الاستعداد من الفيض الأقدس ، أي التجلي الذاتي العيني الواقع في الغيب ، وذلك الاستعداد رحمة الله عليها إذ لا وجود لها تقدم بذلك الطلب الاستعدادي ، وسؤال الرحمة في الغيب أوجدها في الأعيان بالوجود العيني فذلك رحمته عليها وجودا ، وهو معنى قوله - * ( وآتاكُمْ من كُلِّ ما سَأَلْتُمُوه ) * - أي بلسان الاستعداد في الغيب ( والأسماء الإلهية من الأشياء ، وهي ترجع إلى عين واحدة ، فأول ما وسعته رحمته أزلا شيئيته تلك العين الموجدة للرحمة بالرحمة ، فأول شيء وسعته الرحمة نفسها ، ثم الشيئية المشار إليها ، ثم شيئية كل موجود يوجد إلى ما لا يتناهى دنيا وآخرة عرضا