بأن يكون آخرا للمقيدات لكنه لا آخر لها ولو كان لها آخرية ينتهى به الوجود لم يصح أن يكون الآخر عين الأول فآخريته برجوع الأمر كله إليه بعد نسبته إلينا كما ذكر في دائرة الوجود ، فكذلك أوليته بابتداء الكل منه بنسبته إلينا فالنسب والإضافات ممكنة والحقيقة من حيث هي هي واجبة وذلك معنى قولهم التوحيد إسقاط الإضافات ولا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه ( ثم ليعلم أن الحق ) أي بعد العلم بما ذكر ، ليعلم أنه تعالى لما أرانا آيات أسمائه وصفاته في العالم جعل فينا ما نعرف به ذلك فشركنا مع العالم في صفاته لنعرف بما فينا ما فيه وما أمكن العالم قبول جميع أسماء الحق وصفاته ، لأن الفارق بينه وبين الحق الوجوب الذاتي والإمكان وما يلزمهما من الغنى والفقر لازم فيقبل بعضها وهو الذي لا يختص بالوجوب كالوجود والظهور والبطون ، وأما البعض الآخر فلا يقبل إلا آثارها التي يليق بفقره ونقصه ، وجمع فينا بأحدية الجمع الأمرين ، فلذلك قسمها قسمين وجعل القسم الأول مشتركا بين الكل أي بين الحق تعالى وبيننا وبين العالم فقال ( وصف نفسه بأنه ظاهر وباطن فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا ) لكنه فرق بين وصف العالم ووصف الحق بهما بأن جعل العالم عالمين عالم غيب وعالم شهادة إذ ليس في العالم إلا أحدية الجمع ولم يفرق بين وصف الحق ووصفنا فأضاف الغيب والشهادة إلينا بحكم أحدية جمعنا المخصوص فنحن على معناه وصورته دون العالم ، وأما القسم الآخر فسوانا فيه مع العالم وجعل في مقابلة كل صفة فعلية محضة لله تعالى صفة انفعالية مشتركة بيننا وبين العالم فقال ( ووصف نفسه بالرضا والغضب وأوجد العالم ذا خوف ورجاء ) فإن الخوف انفعال وتأثر من تأثير الغضب نعرف به غضبه ، وكذا الرجاء في مقابلة الرضا ولهذا قال ( فنخاف غضبه ونرجو رضاه ) وقال ( ووصف نفسه بأنه جميل ذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس ) فإن الهيبة انفعال من صفة الجلال ونعرف به عظمته وجلاله وكذا الأنس في مقابلة الجمال فجعلنا على صفته بوجه وعلى صفة العالم بوجه كما سيجيء ( وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى