فقال - * ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى ) * - أي ما يخطر لك في حكمك من غير وحى منى - * ( فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله ) * - أي عن الطريق الذي أوحى به إلى رسلي ، ثم تأدب سبحانه معه فقال - * ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ) * - ولم يقل له : فإن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد . فإن قلت : فآدم قد نص على خلافته ، قلنا : ما نص مثل التنصيص على داود ، وإنما قال للملائكة - * ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ) * - ولم يقل إنى جاعل آدم خليفة ، ولو قال أيضا ، لم يكن مثل قوله - * ( إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً ) * - في حق داود ، فإن هذا محقق وذلك ليس كذلك ، وما يدل ذكر آدم في القصة بعد ذلك على أنه عين ذلك الخليفة الذي نص الله عليه ، فاجعل بالك لإخبارات الحق عن عباده إذا أخبر ، وكذلك في حق إبراهيم الخليل عليه السلام - * ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) * - ولم يقل خليفة وإن كنا نعلم أن الإمامة هاهنا خلافة ، ولكن ما هي مثلها لأنه ما ذكرها بأخص أسمائها وهي الخلافة ، ثم في داود عليه السلام من الاختصاص بالخلافة أن جعله خليفة حكم ، وليس ذلك إلا عن الله ) أي لا تسند الحكم إلا إلى حضرة الاسم الشامل كلها وهو الله - فإن الحكم لله ، والإمامة بالنسبة إلى الخلافة كالولاية بالنسبة إلى النبوة ، فكما أن الولى قد لا يكون نبيا كذلك الإمام قد لا يكون خليفة والخليفة بمعنى من يخلف ، فلا يكون خليفة حتى يحكم الله على خلافته ، وداود كان كذلك قد أمره الله بالحكم ( فقال له - * ( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) * - وخلافة آدم قد لا تكون من هذه المرتبة فتكون خلافته أن يخلف من كان فيها قبل ذلك ، لا أنه نائب عن الله في خلقه بالحكم الإلهي وإن كان الأمر كذلك وقع ، ولكن ليس كلامنا إلا في التنصيص عليه والتصريح به ، ولله في الأرض خلائف عن الله وهم الرسل . وأما الخلافة اليوم فعن الرسل لا عن الله ، فإنهم ما يحكمون إلا بما شرع لهم الرسول لا يخرجون عن ذلك ، غير أن هاهنا دقيقة لا يعلمها إلا أمثالنا ، وذلك في أخذ ما يحكمون به مما هو شرع للرسول عليه السلام ) يعنى خلفاء الرسول لهم الخلافة الظاهرة لا يخرجون عما شرع لهم ، ومنهم من يأخذ الحكم الذي شرع للرسول عن الله ، فهو خليفة الله باطنا يأخذ الحكم عنه ، وخليفة الرسول ظاهرا بأن يكون حكمه المأخوذ من الله مطابقا للحكم المشروع الذي ورثه من الرسول ، فهو مأمور من قبل الله أن يحكم بحكمه الذي جاء به الرسول في خلقه ( فالخليفة عن الرسول من يأخذ الحكم بالنقل عنه صلى الله عليه وسلم أو بالاجتهاد الذي